الكويت.. إمارة دستورية أم «ربيع عربي»؟

TT

حراك غير مسبوق تعيشه الكويت.. إضرابات لا تتوقف، تجمعات وتحركات شعبية، وأخيرا «رشى مليونية» انشغلت بها الصحافة المحلية، واتهامات لنواب بعينهم «تضخمت حساباتهم» رسميا.. لكن الأخطر كان الحديث عن «ربيع عربي» يقترب من سواحل الكويت، ففيما يصر المؤيدون عليه باتجاه مطلبهم نحو «إمارة دستورية»، ترد الحكومة، وبصورة حاسمة، على لسان علي الراشد وزير الدولة الكويتي لشؤون مجلس الوزراء في حوار مع تلفزيون «الراي»، بالقول إن من يتحدث عن «ربيع عربي» في الكويت «خائن للوطن ويدعو للانقلاب على الحكم». فما الذي يجري في الكويت؟

غني عن القول، إن حديث الكويتيين عن تغيير طريقة تسنم رئيس الوزراء لمنصبه ليكون منتخبا بدلا من كونه معينا، ليس بالجديد على الشارع الكويتي. فمنذ عقود وهناك مطالب، داخل قاعة عبد الله السالم بمجلس الأمة نفسه، تدعو لهذا التوجه، لكن اللافت أن هناك من يدعو لإمارة دستورية، فيما لا يوجد في الدستور ذاته ما يمنعه عنها، فالدستور الكويتي الصادر في 11/11/1962، أقر شكل الحكم في البلاد بحيث يتم وفق نظام الإمارة الدستورية، بمعنى أن تكون للأسرة الحاكمة صلاحيات الأمير وولي عهده، أما السلطة التنفيذية (الحكومة) فليست هناك مادة تنص على ذلك، ربما العرف وحده هو الذي اقتضى أن يكون رئيس الوزراء ولي العهد، قبل أن يتم فصل ولاية العهد عن رئاسة الحكومة. ومن يدري ربما تستقبل الكويت، قبيل دورة الانعقاد الجديدة لمجلس الأمة هذا الشهر، إصلاحات دستورية من قبل أمير البلاد باتجاه تعيين رئيس للوزراء من خارج الأسرة.

لكن المحور الأهم في الدعوة لـ«الإمارة الدستورية»، أن مجلس الأمة طرح الثقة في رئيس الوزراء الحالي الشيخ ناصر المحمد 7 مرات، منذ تعيينه من قبل أمير البلاد، ومع ذلك لم يتمكن نواب البرلمان المنتخبون من الإطاحة به ولو لمرة واحدة. إذن الدستور ذاته لم يمنع الكويتيين من الوصول لمرادهم بتغيير رئيس وزرائهم. من منعهم هم النواب أنفسهم، الذين جاءوا بأصوات الناخبين، ولم يأتوا بالتعيين، ومع ذلك هناك من يصوت لبقاء المحمد في منصبه، فهل نلوم الدستور، هنا، أم نلوم النواب الذين أوصلهم الشعب إلى قبة البرلمان؟

المراقب للمشهد الكويتي يكاد يلحظ أن هناك حراكا محموما للوصول إلى إصلاحات في بيت الحكم، حتى ولو كان ذلك مخالفا للدستور، بل إن النواب المعارضين للمحمد، وبعد أن فشلوا في الإطاحة به تحت قبة المجلس، سعوا للقيام بمطلبهم خارج المجلس. فكيف تستقيم الأمور للمتابع وهو يرى أن هناك من يخالف الدستور وفي الوقت نفسه يطالب بالاحتكام للدستور؟

لا يمكن القفز على التجربة الكويتية من دون تحميل الناخبين أنفسهم أخطاء فادحة في أصواتهم التي منحوها لمرشحيهم. فلو تمكن النواب من الإطاحة برئيس الوزراء، عبر طرح الثقة فيه، كما أسلفنا، لكانت الرسالة وصلت بشكل أوضح وللقيادة الكويتية في الرغبة الشعبية لاختيار رئيس للوزراء من خارج الأسرة الحاكمة، لكن إصرار المجلس، دورة بعد أخرى، على التمسك بالاسم الذي يعينه أمير البلاد، لا يفهم منه إلا أن نواب الشعب، المنتخبين، راضون كل الرضا عن اختيار أميرهم، وهو ما يعني أنه اختيار يعبر عنهم، وبالتالي اختيار يمثل الشعب، لا النواب وحدهم.

إذا كان غالبية الكويتيين يصرون على أن يكون رئيس وزرائهم من عامة أفراد الشعب، فعليهم أن يطبقوا ذلك عمليا عبر إيصال النائب الذي يتبنى هذه النظرية، أما غير ذلك فإنه يعني أن اختيار النواب كان خاطئا منذ البداية، وهذه معضلة أخرى، لكن بالتأكيد ليس الدستور هو المسؤول عنها!

[email protected]