مصر.. العالم يترقب

TT

كان من المفترض أن تكون الثورة المصرية هي الثورة المثالية ومضرب المثل في الربيع العربي الحالي، خصوصا أنها ظهرت بشكل جمالي مبهر، شعارات أخاذة ملأت الساحات، حراك شبابي سلمي بامتياز، مطالب واضحة، تنسيق وتخطيط نموذجي، خلوها من البغض الطائفي والمذهبي والديني، وإحساس عالٍ بالمواطنة المسؤولة.. ذلك كله أدى إلى أن تكون الثورة المصرية هي «أسرع» الثورات، 18 يوما هي المدة التي استغرقتها هذه الثورة.

ثم دخلت الثورة بعد ذلك في «حيص بيص» عجيب! سلسلة من الصراعات البينية الغريبة، وجوه دخلت على خط الثورة تحاول استغلال الفوضى الحاصلة لأخذ موضع قدم لها وترويج نفسها على أنها جزء من الثورة، وأبرز هؤلاء كان الحراك السلفي والإخوان المسلمين. فدخل هذان الفريقان بطلبات غريبة، ومنها ما هو سخيف، وآخر مريب كان نتيجته توتير المناخ العام للثورة والثوار، طلبات مثل تغطية تماثيل الفراعنة بالشمع وهدم الأضرحة ومنع المسيحيين حقوقهم السياسية المتساوية وغيرها من الآراء التي أصابت الشارع المصري بالذعر وولَّدت بالتالي جوا مقلقا ظهرت فيه الأصوات المرتفعة العنيفة والمنفعلة، وحصل ما حصل من اعتداءات وتطاولات بحق الناس والممتلكات العامة والخاصة.

وكان «بطل» هذا المشهد الظلامي، ولا يزال، الإعلام في مصر، الذي أسهم في تأجيج المشاعر ورفع سقف التوقعات، بتوزيعه الاتهامات على العهد القديم ورموزه بترويج مجموعة من القصص والأساطير بحق المسؤولين السابقين واتهامهم بجرائم من دون أدلة ولا براهين ولا توثيق ولا بينة وحجة. وطبعا أدى كل ذلك الوضع إلى هياج هائل في الشعب المصري وبات لا يقبل إلا بالانتقام أو القصاص، بغض النظر عن العدالة. فالإعلام لم يوجه التهم فحسب بل صبغ التهمة بالنوايا وكان «يخون» الفاعلين ويسهب في نواياهم ويحلل أساليبهم وما «خلفها»، وهي جميعا ما هي إلا اجتهادات على أفضل تقدير مبطنة بالرغبة في التشفي والانتقام من مسؤولين نافذين سابقين كانت لهم اليد العليا والسطوة الكبرى ذات يوم.

ذلك كله والجيش والمجلس العسكري تحديدا يحاول أن يكسب ثقة الشارع ويقنعهم بأنه «مع» الثورة ولن يخطفها أو يعتدي على طموح الثوار ويلغي متطلباتهم. لكن الفجوة كانت تتسع وتزداد، وإدارة الحكومة تتم بأيدٍ غير واثقة ومرتعشة، مما أدى إلى ازدياد ملحوظ في غضب الناس على أوضاع البلاد وهم يرون أن هناك تأخيرا مقصودا في تحول البلاد من الحكم العسكري إلى الانتخابات المدنية. وكانت الطلبات الخاصة والفئوية سيدة الموقف، وباتت الساحة السياسية مسرحا للتصفيات في الحسابات والخلافات الشخصية.

مصر اليوم بين كماشة الشك ومطرقة الخوف وسكين المطالب، كلها تتصارع لتكون سيدة الأمر الواقع، الأيام صعبة والثقة مهزوزة والضغط متزايد. تراث عظيم لمصر من الحياة السياسية قبل انقلاب 1952 أضاعه العسكر، واليوم المجلس العسكري الحالي لديه فرصة تاريخية لإصلاح هذا الخطأ الجسيم والعالم ينتظر ويراقب.

[email protected]