حي البائسين

TT

هربت قليلا من أخبارنا ونشرات السادسة والسابعة والعاشرة والواحدة إلى كتاب جديد عن جاكلين كينيدي، هو عبارة عن مقابلة مطولة معها بعد مقتل زوجها. أذهلني بؤس الكبار وضعفهم. كانت جاكلين كينيدي خائفة من الحرب النووية الوشيكة، مثلها مثل أي فقيرة بلا ملجأ في هارلم. وشعرت مرة بالحسد من أنديرا غاندي؛ لأن هذه كان لها مستقبلها السياسي الشخصي وسوف تصبح سيدة أولى في بلادها بنفسها، وليس باعتبارها زوجة الرجل الأول.

نشأت جاكلين بوفييه في عائلة أرستقراطية ولكن مفلسة، وعاشت حياتها تطلب المال وتخشى الفقر. كانت تعرف أن زوجها يخونها، وبدلا من أن تثور صارت تترك له البيت الأبيض معظم أيام الأسبوع، ثم اكتشفت أنه يخونها في حضورها أيضا، ويصعد إلى الطابق العلوي مع المرأة التي هو على علاقة معها، وصبرت، وتظاهرت بأنها لا تعرف شيئا، فما يهمها كان ألا تعود إلى أم مزواج وأب يتصرف مع النساء مثل زوجها. بلغت حياتها ذروة المأساة عندما احتضنت زوجها فوقعت في يدها قطعة من دماغه، وبعده أحبت شقيقه روبرت، الذي كان ربما الرجل الوحيد الذي أحبته في حياتها، وبعد قليل جاء من اغتاله وهي في انتظاره لتخبره بأنها سوف تتزوج الثري اليوناني أوناسيس. وأقيم العرس في جزيرته الخاصة. وبينما سارت في المراسم مشت أمها خلفها: لا تتزوجي هذا القرد. ما زال أمامك الخيار. إنك تبدين مثيرة للشفقة مع هذا الكهل المريع.

بعد شهرين من الزواج اكتشفت أن أوناسيس لا يحبها. كل ما أراد هو الزواج من اسم أرملة كينيدي. صار يتركها ويعاملها بخشونة وعاد إلى عشيقته السابقة ماريا كالاس. متأخرة تذكرت كلام أمها وتحذيرات روبرت كينيدي: لن يكون في إمكانك احتمال هذا الفظ الذي لا يعرف معنى المشاعر.

اختارت المال، فجاء معه البؤس. بعد أوناسيس ذهبت تعمل محررة في دار للنشر، وصادقت رجلا يعمل في تجارة الماس، وكان المال وفيرا والسعادة ناضبة. بعد مقتل جون كينيدي ظلت على صلة دائمة مع خلفه ليندون جونسون، وظلت أمها تقول لها: هذا هو الرجل الذي قتل جون، كيف يمكن أن تكوني على علاقة حسنة معه؟ لكن تسجيل المكالمات بينها وبينه يوحي بأن العلاقة لم تكن حسنة فقط، بل دافئة أيضا. بدا في وضوح أنه كان في صوتها شيء ما، وكانت تنصح جونسون في أمور كثيرة وتبدي غيرة عليه.

هل كانت في اللاوعي محاولة ثأر من جون كينيدي؟ هل أرادت أن تمعن في احتقار نفسها لأن الرجل الذي أحبته كان يحتقر ليندون جونسون؟ هل كانت حقا تعني ما قالته وهي في الرابعة والثلاثين: لقد انتهيت، لم يبق شيء؟