الذي لا يعود!

TT

لا أعرف عدد المرات التي سافرت فيها إلى ألمانيا.. ولا كم شهرا أقمت في مدينة فرانكفورت.. وفي كل مرة أسافر إلى هذه المدينة أذهب إلى مكان معين يخصني أنا وحدي.. ففي هذا المكان وقفت معها وقلت لها ما قاله «قيس في ليلى» وروميو في جولييت وكثيّر في عزة.

فالذي يحب يحب رغم العيوب.. بل يحب العيوب أيضا.

قلت لها: يا أعز الناس.. يا أغلى الناس.. يا أجمل خلق الله.

وانتهزت هي هذه الفرصة ونظرت إلى حذائها.. ولم أعرف ما هي العلاقة بين كل الذي أقول وجزمتها.. بل هناك علاقة.. وهي أنها كانت تطلب من الله بقدرته التي لا حدود لها أن يحول كلماتي إلى جزمة جديدة وشراب طويل.. ويا حبذا لو جعل أبيات الشعر زراير في فستانها.. أو قطعا من الصابون تغسل بها ملابسها وملابس أمها وأختها ووالدها!

والله لم أغضب يا أحب الناس ولا تضايقت ولكني حزنت كيف أنني أفسدت أجمل ساعات العمر.. عندما انشغلت بما في داخلي عن الذي خارجك.. كيف لم ترد كلمة رغيف أو جزمة أو جورب في كل الذي قلت؟!.. إنها غلطتي.. فأنا لا أشعر بكل ذلك.. وأنت كنت في حاجة إلى كل ذلك!

ويوم ذهبنا معا إلى أحد الفنادق وسألتها: ماذا تفضلين؟ فأجابت: بل ليس هذا هو السؤال!

آسف للمرة الألف.. فعلا ليس هذا هو السؤال.. ولكني لا أستطيع أن أفرض عليك الطعام الذي أريد.. آسف.. فأنا لا أستطيع أن أقول لك إنني لا أذوق اللحوم بكل أشكالها.

وقالت بوجهها الجميل جدا وعينيها الفاتنتين جدا جدا.. وصوتها الساحر ولغتها البسيطة: وهل أنا أجد شيئا آخر؟!

وحسمت الأمر، وقلت لها: منذ هذه اللحظة أنت التي تختارين.. أنت التي تقررين ما نأكل وما نشرب وأين نمشي وأين نجلس وأين نتوقف.. بشرط ألا أرى دمعة واحدة على خدك.. أرجوك.. أنا في عرضك بلاش دموع!

كل ذلك ذهب.. واختفت الأرض وظهرت من تحتها عمارات وفنادق وشوارع ومصانع وحدائق وغابات وملايين الفتيات الجميلات والكلاب التي تأكل ما هو أفخم وأجمل مما كان يأكله الألمان بعد الحرب.

تماما كما قال أمير الشعراء شوقي:

قد يهون العمر إلا ساعة

وتهون الأرض إلا موضعا!