آه من الحرمان.. آه

TT

لا أظن أن هناك ثلاثة قدر لهم أن يجتمعوا في عالم الطرب في بلادنا العربية وأثروا فيها أكثر من المطربة (أم كلثوم)، والملحن (رياض السنباطي)، والشاعر (أحمد رامي).

وسوف أقصر كتابتي اليوم على العلاقة (الطبيعية وغير الطبيعية) بين أم كلثوم ورامي.

وتتحدث (كوكب الشرق) عن اللقاء الأول الذي جمعهما وتقول:

رأيته لأول مرة.. وكان قد حضر ليسمعني في حفلة بحديقة الأزبكية عقب عودته من باريس، وجلس في الصف الأول متتبعا غنائي بعناية ملحوظة وإصغاء تام، فلما انتهت الوصلة كان من أوائل من تقدموا لتهنئتي، وعرفني بنفسه فكان سروري عظيما بلقياه، فغنيت في الوصلة التالية قصيدته:

الصب تفضحه عيونه - وتنم عن وجد شجونه

إنا تكتمنا الهوى - والداء أقتله دفينه

ومنذ ذلك الحين والود والتقدير بيننا متصلان.

وفي ظني - وبعض الظن إثم - أن رامي بعدها قد هام عشقا بأم كلثوم؛ ليست المطربة فقط، ولكن الإنسانة أيضا بوجهها ولحمها وشحمها كذلك، ومأساته كمنت في أنها لم تكن تبادله ذلك العشق وإنما تركته طوال تلك الأعوام يغلي على نار، وهذا كان من حسن حظ (السمّيعة) المهابيل الذين هم كحالاتي.

لهذا أبدع رامي في عالم الحرمان الذي كان يعيشه، ولم تكن هناك حفلة تحييها إلا ويكون هو جالسا على كرسيه في الصف الأول مسلطنا يحرق السجائر سيجارة خلف سيجارة.

غير أن أم كلثوم الذكية لم تقطع الأمل عنده، فكانت بين الحين والآخر تعطيه من طرف اللسان حلاوة، وتروغ كما تروغ أي أنثى، لهذا كتب لها يوما:

خايف يكون حبك ليّا - شفقة عليّا

وانتي اللي في الدنيا ديّه - ضي عنيّا

بل إنه انجرف متوهما في عالم العشق وكتب لها أغنية هي من أجمل ما غنت عندما قال:

من كتر شوقي - سبقت عمري

وشفت بكرة - والوقت بدري

ولا أستبعد أبدا أنه كان يتلذذ بحالة الحرمان تلك التي كان يعيشها، والمبدعون عموما في حاجة لهذا (الإكسير) الذي يقال له الحرمان؛ فهو الوقود الذي يجعلهم أحيانا يقلبون الدنيا عاليها على سافلها، ولا يتورع الواحد منهم أن يسير على يديه بدلا من قدميه، وها هو يكتب عنها تلك الأبيات التي لم تغنّها:

رنة العود شدوها وصداها - حنة الناي أو أنين الكمان

خلقت آهة فكانت عزاء - من هموم الحياة والأحزان

وجرت دمعة فكانت شفاء - للمعنى ورحمة للعاني

وسرت أنة فكانت غناء - يطلق الروح في سماء الأماني

وبرأها الخلاق من خفة الظل - ومن رقة النسيم الواني

وترا مطرب الحنين أغنا - ولهاة كالخالص الرنان

ترسل الشعر منطقا عربيا - بيّن الآي واضح التبيان

تتناغى الألفاظ فيه من النطق - سليما وتستبين المعاني

فإذا صورة تجلت إلى العين - وغابت في مستقر الجنان

آه من الحرمان.. آه، اسألوني.

[email protected]