هل يحولها الأطلسي إلى مواجهة تركية ـ إيرانية؟

TT

طلب إلى تركيا أن تكون ملكية أكثر من الملك، فقبلت ذلك من خلال الموافقة على نشر مظلة الرادارات على حدودها الشرقية القريبة من إيران وروسيا، ضمن صفقة هي أميركية قبل أن تكون أطلسية.

قلناها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي على هامش أعمال القمة الأطلسية الأخيرة، إن دول الحلف لن ترضى أن تكون تركيا أطلسية الملامح إيرانية الميول، ولن يكون بمقدور أنقرة الابتعاد عن قرار استراتيجي غربي من هذا النوع تكون هي مركز الثقل فيه. خيال هو أن يكون هناك سباق تسلح إيراني إسرائيلي على أعلى المستويات، ويطلب إلى تركيا أن توقف تعاملها مع حلف التحقت به قبل أكثر من 6 عقود. حكومة العدالة لم تلتزم بقرار الأطلسي فحسب، بل قالت إن ما يجري مسألة روتينية لا ضرورة لتضخيمها وحملها إلى البرلمان التركي لمناقشتها مع المعارضة، التي لا اعتراض لها كما فهمنا، على خطوة استراتيجية مسارها محسوم أصلا.

الأتراك يعرفون أنهم من خلال قرار بهذا الاتجاه يعرضون للخطر ليس فقط جهود عقد كامل من خطط الانفتاح على إيران، بل سيدفعون القيادة الروسية لمراجعة علاقاتها مع أنقرة، التي حاول الجانبان إعطاءها فرصة جديدة تحت شعار تصفير المشكلات.

الرد الروسي الأسرع على القرار التركي جاء مع إعلان موسكو عن تقديم قرض عاجل لحكومة قبرص اليونانية بقيمة 2.5 مليار يورو، والكشف عن استعداد روسيا لدعم مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في جنوب شرقي المتوسط، وهذا ما يعني أن العلاقات التركية - الروسية ستكون في المرحلة المقبلة عرضة لهبات باردة وساخنة.

على الجبهة الإيرانية يعرف الأتراك أنهم سيواجهون ورقة الغاز، المادة الحيوية الأكثر حساسية وإيلاما بالنسبة للأتراك، خصوصا إذا ما ساند الروس قيادة نجاد في قرار التصعيد هذا. لكن يبدو أن أحدهم همس في أذن الأتراك خلسة، يذكرهم بأن تراجع النفوذ الإيراني الإقليمي في لعبة شد الحبل سيكون لصالح أنقرة، وأن لا فائدة من محاولات حكومة العدالة التغريد خارج السرب الأطلسي. وهذا ما حدث حتى ولو كانت أنقرة تعرف أيضا أنها تعرض علاقاتها التجارية مع طهران، التي وصلت إلى أكثر من 12 مليار دولار في هذه الآونة، إلى التراجع والتدهور.

نتجاهل حجم الأموال والمبالغ التي تصرف من أجل الحصول على آخر التكنولوجيا الحربية، والتنافس على استعراض العضلات الصاروخية البعيدة المدى، إيرانيا وروسيا وإسرائيليا، ونحمل أنقرة مسؤولية جلب الدب إلى الكرم عبر الموافقة على نشر أجهزة رصد دفاعية، بحجة أنها ستقدم خدمات مجانية لتل أبيب. تركيا تقول قد تكون الأجهزة والتكنولوجيا المستخدمة أميركية الصنع، لكنها ستكون بإشراف الناتو، وستكون هي في مركز القيادة تشارك في اتخاذ القرار وتحمل مسؤوليته.

كلام وزير الدفاع الإيراني الأخير حول أن أجهزة الإنذار هذه تخدم مصالح إسرائيل وتحميها، ضمن مشروع أميركي، والتصريحات المتممة لقيادات سياسية على أعلى المستويات تلتقي كلها عند نقطة أن الموافقة التركية خطأ استراتيجي فادح، ومثال حي على ازدواجية المواقف التركية، تعكس حجم الغضبة الإيرانية التي تستغرب الجمع بين انتقاد حكومة نتنياهو والتصعيد الدائم مع تل أبيب، وبين حماية مصالح إسرائيل الاستراتيجية عبر قرار من هذا النوع.

ربما ما أغضب إيران أكثر من غيره ليس اقتراب شبكة الرادارات من حدودها الجغرافية على هذا النحو، بينما الإعلان أن المعني والمستهدف الأول هو روسيا، لكن في الحقيقة تكون هي من يدفع ثمن سياسة السباق على التسلح بين الأطلسي وروسيا. الغضبة الإيرانية سببها ليس محاولة محاصرتها بتقليص حرية الحركة والخيارات التي قد يكون أحدها الالتزام بطلب الحماية من موسكو، بل تركها تحت رحمة الروس الذين لن يترددوا في التخلي عنها ضمن أي لعبة مساومات مع الغرب، وهذا ما شهدناه أكثر من مرة.

الحصيلة حتى الآن تقول، وعلى ضوء القرار التركي الأخير، إن المشروع الأميركي المتراجع في المنطقة، بدأ يستعيد قواه ونشاطه، وينافس من جديد السباق الإيراني الروسي على إدارة خطوط الطاقة الحيوية في الشرق الأوسط، والاقتراب من الربيع العربي أكثر فأكثر. لكن المنطقة في جميع الأحوال هي وسط حالة من الغليان، والكل على أعصابه ولا يريد أن يتحمل مسؤولية ارتكاب الهفوة الأولى.