العولقي.. غربي أم شرقي؟

TT

أثار اغتيال الداعية اليمني أنور العولقي نقاشات واسعة لم تنحسر بعد..

ليس بالإمكان حسم ما إذا كان تنظيم القاعدة سيعمد إلى الرد على هذه الضربة وإن كان الأمر مستبعدا، كما أن الأصوات الشجاعة التي علت محتجة على عدم أخلاقية اغتياله ليست بالأصوات القوية، أو على الأقل لن يكون لها تأثير يذكر ولن تحول حتما دون تكرار مثل هذا النوع من العمليات التي يستعاض فيها بالقتل عن قوس المحكمة..

لكن، ما يلفت في النقاشات الواسعة، والدائرة تحديدا في الإعلام الأميركي والغربي، هو ما طرحه بعض المعلقين من خلال استعادة صورة قديمة بعض الشيء للعولقي تعود لعام 2001، وفيها يظهر العولقي في مسجد كان يؤمه في فيرجينيا وإلى جانبه ناشطة أميركية، وذلك بعد ثلاثة أسابيع من وقوع هجمات نيويورك وواشنطن، وكانت السيدة الأميركية زارت المسجد في إطار حملات التضامن مع المسلمين الأميركيين إزاء الاستهداف الذي طالهم بعد الهجمات..

الصورة التي أعادت الصحافة الأميركية نشرها عبر عدة صحف ومجلات والتي ركز عليها عدد من المعلقين - تعكس بوضوح البعد الأميركي في تكوين شخصية أكثر القيادات القاعدية والإرهابية حداثة واتصالا بالعصر، أي العولقي، الذي غادر أميركا بعد أسابيع قليلة من تلك الصورة ليصبح داعية كارها للغرب ويحشد لضربه.

لن يكون بإمكان الأميركيين تجاوز حقيقة أن في تكوين هذه الشخصية بعدا أميركيا، فهو أميركي المولد واللغة والثقافة وتعرف على الإسلام في نيويورك وليس عبر والده. أما المجلة التي أنشأها وهي «إنسباير»، فهي كانت تنطق باللغة الإنجليزية، مما يعني أنه يريد أن يخاطب من يشبهونه من مسلمي الغرب..

جرى ويجري نقاش في الصحافة الغربية والأميركية عن مسؤولية الغرب وثقافته، وتحديدا أميركا، عن إنتاج نموذج الجيل الثالث من الإرهابيين، والعولقي على رأسهم، من دون أن ننسى الباكستاني فيصل شاه زاد والفلسطيني نضال حسن، وكلاهما ممن تأثر بكاريزما وخطب العولقي.

إنهم تجسيد لمعنى «الفردية» بصفتها منتجا رئيسا من منتجات الحداثة والتغريب. فهؤلاء أميركيو الثقافة. ولدوا في الغرب ولا يعرفون غيره. صلتهم بالثقافة الإسلامية استمدت من قنوات صنعتها الثقافة الغربية. فالغرب الذي لم يتمكن من هضمهم على نحو ما هضم مهاجرين آخرين زودهم بوسائل ضلالتهم عبر التقنيات بشكل أساسي.

لا يعني هذا الكلام أبدا حرف المسؤولية وحصرها بالغرب، ولكن يعني أن الغرب غير الرسمي بدأ يفكر في مسلميه بصفتهم أيضا ضحاياه تماما، كما يفكر اليوم في القاتل النرويجي أنرده بريفيك الذي ارتكب مجزرة جماعية في أوسلو قبل أشهر.

اليوم، يجري ضرب الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة من دون أن يعني ذلك القضاء عليه. أنور العولقي كان من الإرهابيين شديدي الالتصاق بجهاز الكومبيوتر وكأنه من ذلك النوع الذي يحتاج إلى طبيب نفسي وليس محللا سياسيا لفهم حكايته.

يبدو اليوم أن قدرة الغرب على إجراء المراجعة أكبر من قدرتنا على فعل مراجعة تنال بنيتنا الثقافية والاجتماعية.

عل ربيع العرب يسمح لاحقا بذلك..

diana@ asharqalawsat.com