الموظف المزاجي!

TT

أثبتت التجارب العملية والدراسات العلمية أن مزاج الإنسان لا يستقر على حال واحد طوال اليوم، فقد أعلن علماء من جامعة كورنيل بنيويورك، قبل أيام، أنهم بعد دراسة نحو 500 مليون رسالة نصية أرسلت، خلال العامين الماضيين، عبر موقع التواصل الإلكتروني «تويتر» (في 84 بلدا)، قد توصلوا إلى أن الناس يستيقظون بمزاج جيد ثم سرعان ما يتدهور مزاجهم خلال ساعات النهار، وتوقع الباحثون أن تكون هذه التقلبات المزاجية ناجمة عن «الإجهاد نتيجة النشاط البدني»، ولذا كانت ذروة المشاعر أو الرسائل السلبية تظهر بحدود منتصف الليل، أما النشاط الإيجابي فكان في عطلة نهاية الأسبوع، حيث الاسترخاء.

هذه النتائج واقعية، فالإنسان حينما يبدأ يومه يكون أكثر هدوءا واستقرارا نفسيا، وحتى معدلات الجريمة لو حصرها باحث لوجد أن معظمها يقع في أوقات كثيرة غير ساعات الصباح الباكر، ولذا فإن من يتعامل من المسؤولين مع الموظفين لا بد أن يدركوا أن مزاج الموظف يتعرض لتغيرات فسيولوجية مرتبطة بمواقف تحدث له، فقد يتعرض لحادث مروري فيتعكر مزاجه فجأة وهو ذاهب إلى مقر عمله، ثم يصب جام غضبه أو همه في أول موقف يعترضه مع زميل فيعكر مزاجه ومزاج زميله، كأن يبالغ بردود فعله وامتعاضه تجاه خطأ بسيط ارتكبه هذا المسكين.

ولذا فحري بمن يريد أن يفتح موضوعا حساسا أو مهما للنقاش مع مسؤوله، مثل زيادة في الراتب أو ترقية أو طلب استثناء معين، أن يتحين التوقيت المناسب من خلال مراعاة نفسية أو مزاج مديره، والأمر نفسه ينطبق على العميل في تعامله مع موظفي المتاجر أو الخطوط الأمامية، الذين يمر عليهم في اليوم الواحد عشرات بل مئات الناس المُتعِبين الذين يقلبون مزاج الموظفين رأسا على عقب، لذا يجدر بالعميل أن يخفض سقف توقعاته عند التعامل مع الناس، كما أنه لا بد أن يراعي أرباب العمل تداعيات وضع الموظفين تحت وطأة ضغط وظيفي كبير يعكر صفو مزاجهم لأنه سينعكس بالتالي سلبيا على جمهور العملاء والمراجعين.

وهناك مواطن يتقلب فيها المزاج بصورة كبيرة، منها عندما نلقي التهم جزافا على موظفين أبرياء أو نظلمهم، أو نثبطهم، أو نحرمهم من زيادة مستحقة في الراتب، أو نفضل عليهم من ليس أهلا للترقية وغيرها.

وقد أجرى العلماء تجربة لمعرفة أثر الجوع على النشاط البدني والعقلي، فاستخدموا طريقة ابتلاع أنبوب تنتفخ في طرفه بالونة من المطاط، ثم طُلب من المشاركين بالدراسة النوم على سرير تم تزويده بأجهزة دقيقة تسجل كل حركة تحدث في البدن، فتبين للعلماء أن عند تقلص جدران المعدة (حالة الجوع) يتحرك بدن النائم حركات مختلفة، «ودل ذلك على أن دافع الجوع يثير في البدن حالة من النشاط والحركة وعدم الاستقرار»، كما ذكر د. محمد عثمان نجاتي، أستاذ علم النفس الشهير في كتابه، وهو بلا شك أمر ينعكس على مزاج الإنسان، ولذا قيل في الأمثال العربية والأجنبية إن «أقرب طريق إلى قلب الرجل معدته»! كما نلاحظ أنه ما إن يحين وقت ساعة الغداء أو الانصراف حتى يفتر حماس الموظفين ونشاطهم؛ بسبب الجوع الذي يعد يد خفية تتحكم في مزاج الإنسان.

لا يمكن التنبؤ بسهولة بمزاج الإنسان، يوميا، ناهيك عن الموظف أو المدير المزاجي أصلا، الذي يتقلب مزاجه بسرعة شديدة بداع ومن دون داع، ولذا فإن الفرد في عمله وخارجه لا بد أن يذكّر نفسه باستمرار بأنه يتعامل مع بشر وليست آلات ديناميكية، فما نود مناقشته معهم اليوم ربما يكون أسوأ قرار نتخذه بسبب التوقيت غير الملائم لمزاج المستمع.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]