المرفوض حيا وميتا

TT

كتب إلي من فرنسا القارئ الفاضل أكرم حاتم صالح يخاطبني ويقول: «خسارة يا أستاذ أن تكون بعيدا عن العراق بينما تلهو فيه مجموعة من المسوخ الفكرية المريضة». حكايتي يا سيدي الفاضل مع العراق تذكرني بصديقي كريستوفر الرسام الذي عاش مرفوضا، وسيموت مرفوضا كما فهمت، كلما راود صبية في صباه وشبابه رفضت الاستجابة له، وأخيرا تقدم لخطبة إحدى صديقات العائلة للزواج بها بالحلال فرفضته. كرس وقته للرسم وقدم لوحتين من لوحاته للعرض في المعرض الصيفي للأكاديمية الملكية للفنون بلندن فرفضتهما لجنة التحكيم ولم تعرضا. أخيرا، كتب مجموعة شعرية وبعث بها لعدة دور نشر بريطانية، وفي كل مرة جاءه البريد ببطاقة تحمل هذه الكلمات المقتضبة اللعينة: «نأسف لرفض مجموعتك الشعرية، نأمل أن تكون أكثر حظا مع ناشر آخر». بعثها لناشر آخر وحصل على نفس الكلمات، نرجو أن تكون أكثر حظا مع ناشر آخر، وتكررت التجربة، وأعتقد أنه لم يبق ناشر في لندن لم يبعث له بمخطوطته.

في أثناء ذلك توفي والده، وعندما فتح المحامي وصيته اتضح أن الوالد أوصى بثروته للكلاب المريضة، وفي تلك المناسبة رحت أروي له شيئا عن لوذعية اليهود في الحرص والتوفير من النفقات الباهظة في بريطانيا الخاصة بتكاليف الدفن وحرق الجثة، والحقيقة أن تكاليف الموت في الغرب أصبحت أغلى حتى من تكاليف الحياة، فكثيرا ما يحتار المرء هنا في توفير الفلوس لمواجهة فاتورات الطبيب أو فاتورات الحانوتي. بيد أن صديقي شمعون صبار، الصحافي الإسرائيلي المعادي للصهيونية، وفر على زوجته نفقات دفنه كليا بأن أوصى بجثته لمستشفى الجامعة للتشريح العلمي. فلم تنفق زوجته بنسا واحدا على دفنه، وتولت المستشفى حتى نفقات نقلها.

رويت لصديقي كريستوفر هذه الحكاية ونسيتها، ولكنني التقيت به مؤخرا، فبادرني قائلا: «تعرف خالد، مستشفى الجامعة رفضت جثتي!» سألته كيف؟ قال حاولت اتباع مثل صديقك اليهودي فكتبت للمستشفى أوصي لهم بجثتي عند وفاتي لأغراض البحث العلمي. أجابوني بقائمة طويلة من الأسئلة. يظهر أنه حتى في دنيا الموت لا تتخلص من الروتين الحكومي. قائمة طويلة ومراسلات وسؤال وجواب، وانتظار وانتظار، حتى تسلمت منهم بالبريد بطاقة تقول: «مرفوض»!

يظهر أن مصيري مع العراق يشابه ذلك، فكلما فكرت بالعودة للعراق وتقدمت للعمل رفضوني، رفضوا في الستينات حتى تعييني معلم رسم للأولاد، وكانت آخر محاولة في 2007.

علق الأخ أبو عمر من فرنسا على مقالتي «أسفا يا مالك العراق»، فقال: إن مشكلة المالكي ليست وقوعه في أسر إيران أو أميركا وإنما في أسر آيديولوجية حزب الدعوة. الحقيقة يا سيدي هي أنني لا أعرف ما هي آيديولوجية الدعوة. فلم أحظ بأي جواب شاف واف من كل من سألتهم في الموضوع. ما هو برنامجهم حقا؟ أهو تطبيق الشريعة؟ لماذا لا يطبقونها والحكم بيدهم الآن؟ سأكون شاكرا لكل من ينورني في الموضوع.