«كبت» أمه

TT

برغم البعد والسنين، ما زلت أقرأ لبعض الكُتاب الكويتيين وبعض الصحف الكويتية، وكأنني أقرأ شيئا «داخليا». وأعفي نفسي من تعداد الكتاب الذين أقرأ لهم باستمرار وباحترام، ليس لكثرتهم، فهم قلائل، ولكن خوفا من أن يظلم الذوق الشخصي بعض المستحقين عند الذوق العام. ولذلك أحرص دائما على أن أسأل الأصدقاء والزملاء في الخليج عن الكاتب المقروء أكثر من سواه، هذه الأيام، لأن كتابي «قدماء» مثلي، ولنا هموم متشابهة، وأحيانا آراء متشابهة.

وفي الآونة الأخيرة تابعت الكتاب والصحف لكي أعرف ماذا حدث لما سمي «الإيداعات المليونية» وهي قصة نحو مائة مليون دولار أميركي عثر عليها في المصارف في حسابات عدد من النواب، وقامت حملة تطالب كالعادة بإقالة حكومة الشيخ ناصر الأحمد، لكن الكاتب الطليعي والمستقل عبد اللطيف الدعيج كتب سلسلة من المقالات في «القبس» يطالب بطرد النواب الذين نشروا ثقافة الرشوة والارتشاء والابتزاز كمرشحين ونواب، وقال الدعيج ما معناه: إن كرنفال الانتخابات ومساخرها، وملاحقة الحكومة بالاستجوابات التافهة والسوريالية، فرضت على البلد عادات مرضية مدمرة، وبدل استقالة الحكومة يجب حل مجلس النواب وإصدار قوانين تنظم الوصول إليه من دون إهانة الدولة أو الوطن أو البرلمان.

لقد تمادى بعض نواب الكويت في إهانة النظام البرلماني في كل مكان، وكأنهم ينفذون خطة سرية لتحقير البرلمانات وتيئيس العرب من جدواها. كنت قبل مدة التقيت وزير النفط يومها، الدكتور علي البغلي، في أمسية عند محمد الصقر، وكان البغلي حادا وعالي الصوت في النقاش، وقلت له: اهدأ قليلا، لئلا نفقد حرية النقاش هنا أيضا، دعنا نخفف الصوت قليلا لكي نتمتع طويلا بحرية النقاش، لم تعجبه نصيحتي، وبدا أنني موال جبان والوزير معارض شجاع.

ولعله كان على حق، فما زال يكتب في صوت عال، وأطرف ما كتب أخيرا في موضوع «الإيداعات المليونية»: ورد في زاويته، التي نقل فيها عن النائب مسلم البراك، أن زميلا له عثر في خزانة (كبت بالكويتي) والدته بعد وفاتها على 4 ملايين دينار نقدا، أي ما يزيد على 12 مليون دولار، وهو المبلغ الذي عثر عليه في الحساب المصرفي كل نائب من النواب المشتبه بأنهم قبضوه أو قبض عليهم به، لابسين متلبسين وملتبسين، إلى ما هنالك من لبوس والتباس و«ملبس».

والملبس باللبناني هو «البونبون» الذي يشير علي البغلي إلى أن ميشال عون استخدم التعبير عندما قال: لماذا لا يدفع الرئيس نجيب ميقاتي 35 مليون دولار للمحكمة الدولية من جيبه، فهو مبلغ يضيف فيه «بونبون» في بيته.