شيء ما يجمعنا!

TT

لا أحصي عدد الأفكار التي جاءت وهبطت واستقرت.. الأفكار الدائرة والأفكار الزائرة والأفكار اللاجئة.. والأفكار التي تنفر منها الأفكار.. والأفكار التي هي أذرع ممدودة ترحب بالشاب والجديد.. ولا أعرف كم مرة انعقد الزواج بيني وبين أحلامي.. ولا أعرف كم مرة خرجت الطرق محدودة واسعة من رأسي لأسير عليها.. ولا أعرف كم مرة نسجت أحلامي كما ينسج العنكبوت بيته ودودة القز تابوتها الحريري..

ولا كم مرة رأيت تبادل المواقع بين عقلي وقلبي.. فمرة أجد قلبي على كتفي ومرة أجد عقلي بين ضلوعي.. ولكني في كل الأحيان كنت أحس قلبي يدق في رأسي.. ومعدتي في يدي..

كم مرة تمنيت لو كنت البطل أوقيانوس أبتلع هذا الكون وأستريح في فراغه.. وكم مرة تمنيت أن أكون «شعاعا» أجوب الدنيا وأرتد حول نفسي.. أو أنطلق ولا أعود..

هل كنت أنام واقفا؟ مرة واحدة.. وأدركت يومها أنني من فصيلة الخيول التي تنام واقفة.. فقد أسندت ظهري إلى الحائط.. وأغفيت لحظات.. ولكني نمت.. ورحت أضحك.. فقد رأيت فيما يرى النائم.. وأدهشني أن كل هذا الذي رأيته لم يستغرق إلا لحظات.. ولكن العقل أسرع من الضوء.. فأنا في لحظة واحدة أجدني على باب الجنة أتخيل ذلك.. وربما كانت المسافة بين البن البرازيلي والجنة ألوف ملايين السنين الضوئية.. كل ذلك رأيته في لحظة واحدة!!

ويجيء ماسح الأحذية، ويدق قدمي، ويرفع إحداهما ويضعها على الصندوق وأنظر إليه كأنه عفريت خارج من أعماق البحر.. ثم يدق بفرشاة فأرفع قدمي الأخرى.. ويصبغ الحذاء بالأسود.. ثم يدق بالفرشاة بما معناه أنه انتهى من عمله.. وأنه يريد حسابه ليتركني ويبحث عن حذاء آخر.. وكان ذلك يحدث كل يوم.. لا أحد طلب منه أن يفعل ذلك.. لا أحد رفض أو استنكر.. أنا أفكر وهو يعمل.. وكثيرا ما نسيت أن أحاسبه.. وكثيرا ما جاءني بالقهوة.. وكثيرا ما أشرت بيدي أطلب إليه أن يضع يده في جيبي لقد أصبحنا.. زميلين.. صديقين.. أسرة واحدة.. كل ما يلمسه يلمع.. وأنا كل ما أجده في رأسي يلمع.. هو صاحب لمسات لامعة.. وأنا صاحب أفكار لامعة.. فاللمعان والبريق والوميض والنور هي التي تجمع بيننا!