نظام الردع في استراتيجية حرب الطائرات من دون طيار

TT

هنا يكمن اللغز الأصعب بالنسبة لواضعي السياسات الأميركية لمكافحة الإرهاب: كيف يمكن منع «القاعدة» من مهاجمة الأراضي الأميركية من دون التورط في حروب طويلة الأمد ضد المتمردين؟

سيكون أحد الأجوبة هو بناء نظام ردع في الحرب الطويلة ضد التطرف الإسلامي، مثل الأزمة التي نشأت بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة. كان السوفيات دون شك عدوا أكبر بكثير، لكن المنطق الأساسي واحد، وهو أن كلا الطرفين يمتلك أسلحة فتاكة، لكن إذا لم تطلقوا النار علينا فلن نطلق النار عليكم.

لم تعلن إدارة أوباما أي استراتيجية جديدة من هذا النوع، لكن بمقدورنا أن نرى الخطوط العريضة لواحدة تتضح في السياسة غير المعلنة للإدارة باستخدام طائرات «بريداتور» المسلحة، التي تمتلك الأسلحة الأشد فتكا في أميركا ضد «القاعدة».

جاء أحدث مثال على قوة ودقة طائرات من دون طيار في الهجوم الذي وقع يوم الجمعة على أنور العولقي، زعيم تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. الضربة التي وقعت شمال اليمن، وجاءت بعد أيام من المراقبة الصامتة، أدت إلى مقتل أنور العولقي وسمير خان، رئيس تحرير مجلة «إنسباير» التي يصدرها تنظيم القاعدة على الإنترنت، وكلاهما كان مواطنا أميركيا.

لكن في الأسابيع الأخيرة ظهر قيد خفي في سياسة استخدام الطائرات من دون طيار، وتمثل في أنه على الرغم من الدعوات من جانب بعض المسؤولين الأميركيين لشن هجمات الطائرات من دون طيار ضد معسكرات تدريب القاعدة في جزيرة العرب، وحركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة في الصومال، فإن أيا من ذلك لم يحدث. كان هذا قرارا سياسيا متعمدا - يهدف جزئيا إلى منع انتشار تمرد على غرار حركة طالبان على مسارح جديدة مثل اليمن والصومال.

تزعم الولايات المتحدة أن لديها السلطة القانونية لشن مثل هذه الضربات على معسكرات تدريب مقاتلي تنظيم القاعدة، في إطار تفويض كل من الكونغرس لاستخدام القوة العسكرية والذي صدر في سبتمبر (أيلول) 2001، والقانون الدولي للدفاع عن النفس. هذه السلطة الموسعة في الاستهداف أوجزها القانوني ومستشار مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، جون برينان، في كلمة ألقاها في جامعة هارفارد في 16 سبتمبر.

لكن كمسألة سياسية، فقد قرر برينان ومسؤولون كبار آخرون (حتى الآن) عدم استخدام مثل هذه الضربات في مناطق الحروب الجديدة، للحيلولة بصورة جزئية دون اتساع رقعة الحرب الآخذة في الاتساع والتي تشجع حركة التمرد الإسلامي الذي نرغب في احتوائه. حقيقة الأمر أن المسؤولين يشيرون إلى أنه لم تكن هناك أي هجمات ضد معسكرات التدريب خارج المناطق القبلية في باكستان، حيث يوجد مقر قيادة «القاعدة» الأساسي.

وشرح مسؤول بارز في الإدارة الأميركية السياسية، على النحو التالي، بالقول «إذا كان الأفراد يستهدفوننا، وإذا كانت قيادتهم تؤيد الهجمات ضد الأميركيين، فالولايات المتحدة ستعطي تصريحا بالقيام بعمل مباشر، ووضع هؤلاء الأفراد على قائمة (الأسر أو القتل)، التي تستهدفها هجمات الطائرات من دون طيار»، لكن المسؤول حذر بالقول «نحن لا نريد أن نتورط في مواجهة محلية داخل اليمن أو الصومال، أو زيادة مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة في تلك الأماكن».

هناك صيغة ردع ضمنية في هذه السياسة، فما دامت حركة الشباب في الصومال لا تزال حركة متمردة تقاتل الحكومة الانتقالية، فإن الولايات المتحدة لن تستخدم - في الوقت الذي تدعم فيه السلطات الصومالية - الطائرات من دون طيار، لأن هذا السلاح مخصص لأولئك الذين يهددون الولايات المتحدة بشكل مباشر.

ويقول المسؤول «يمكن لحركة الشباب أن تزيد من الخطر الموجه إليها إذا أقدمت على مهاجمتنا، أو المشاركة في التحركات الرامية لإيذاء شعبنا»، وأضاف «يمكننا التصرف دفاعا عن النفس، لكننا في الوقت ذاته نبعث برسالة مفادها: إذا كنت تهددنا، فيمكنك أن تفعل ذلك على مسؤوليتك الخاصة».

وقد طمأن هذا النهج المتدرج حلفاء الولايات المتحدة، مثل بريطانيا، التي توجد لديها أعداد كبيرة من المهاجرين المسلمين، والذين كانوا قلقين بشأن الحملات الأميركية ضد المنتسبين إلى تنظيم القاعدة. ويعترف المسؤول الأميركي بالقول «كان هناك قلق من أن يكون ذلك نهجا شاملا».

وقد سألت مسؤولا في إدارة أوباما عن مشكلة الإجراء القضائي، وعلى أي أساس تصدر الولايات المتحدة ما يرقى إلى تصريح بالإعدام ضد مواطن أميركي، مثل العولقي. وأجاب المسؤول بأن هناك تقييما تجريه لجنة من محامي الوكالات الحكومية، وكذلك لجنة من النواب من جميع الإدارات الرئيسية، وهذه الأوامر بتوجيه الضربة تتطلب موافقة بالإجماع. وهذا أمر مطمئن جزئيا؛ أما عملية الإجراء القانوني فربما تكون أفضل، كما هو الحال في المحكمة السرية التي تفصل في طلبات الاستخبارات الأجنبية الحصول على إذن قضائي بالتفتيش.

الجيد بشأن السياسة المتطورة لاستخدام طائرات من دون طيار هو أنها تعترف بالحاجة إلى القيود، وأننا لا نملك ما يكفي من طائرات من دون طيار لقتل جميع الأعداء إذا أردنا تحويل العالم إلى منطقة حرب. هناك شيء مهم في إشارة استراتيجية الردع وهو كيف تنتهي الحروب في ذلك الجزء من العالم حيث نشأ تنظيم القاعدة، من خلال التوازن بين ضبط النفس المتبادل الذي يجعل الهدنة ممكنة بحكم الأمر الواقع، حتى بين الأعداء الأكثر مرارة.

* خدمة «واشنطن بوست»