صعود الإسلام السياسي

TT

من الواضح جدا أن المتغيرات الكثيرة التي حصلت في المنطقة العربية بفعل الثورات الشعبية قد أفرزت أحزابا وحركات ذات توجهات إسلامية؛ منها قديمة، ومنها حديثة، وهنا يبرز السؤال: هل القوى والتيارات الإسلامية باتت مؤمنة بالديمقراطية؟ ولا تجد ثمة تعارضا فكريا وآيديولوجيا بين الديمقراطية والإسلام شريعة ونهجا؟

يبدو هذا السؤال مطروحا بقوة الآن، خاصة بعد المشهد السياسي العربي، لاسيما في تونس ومصر، الذي يتمثل ليس في بروز قوى وأحزاب دينية فقط؛ بل في صعودها المتسارع لكي تكون قوة مهيمنة في المشهد السياسي العربي؛ في حالة تشبه إلى حد كبير استنساخ التجربة العراقية عبر صعود الإسلام السياسي في العراقي بطرفيه السني والشيعي على حساب القوى الليبرالية والعلمانية، مما أدى إلى وجود تخندقات وهويات فرعية ما زالت مؤثرة في المشهد السياسي العراقي حتى يومنا هذا وستكون لها تأثيرات مستقبلية.

وبالتأكيد، فإن موقف الكثير من الأحزاب الإسلامية من مسألة الديمقراطية الآن يختلف عن خطابها السابق أيام النظم الشمولية، لأنها في السابق لم تكن هنالك فرصة لأن تتقلد زمام الأمور بحكم الشمولية السائدة آنذاك من جهة، ومن جهة ثانية، لأنها كانت تجد الديمقراطية آنذاك مسخرة للنظام والحزب الحاكم دون سواه من الأحزاب الأخرى. وهذا ما دفع الكثير من هذه الأحزاب والحركات لأن تبتعد عن السياسية مرحليا وتؤدي دورها ووظيفتها الاجتماعية، ومحاولة نقد السياسات الحكومية، لكنها لم تصل في يوم ما للتصادم مع السلطة أو أخذ دور المعارضة بشكلها المألوف. وحتى في أوج المظاهرات الشعبية، كانت هذه الأحزاب غائبة عن مشهد المظاهرات حتى لا تكون ضمن مرمى السلطة وأحد أهدافها في حال فشل الثورة. ولكننا وجدنا بعد نجاح الثورة سواء في مصر أو تونس، هذه القوى تستنهض الشعب وتغازله دينيا لأنها تشعر بأن الأحزاب الدينية هي البديل الأول للشمولية.. على الأقل بأنها ستكون صاحبة الكلمة الأولى في الدورة الانتخابية الأولى، بحكم أنها استطاعت أن تملأ الفراغين الفكري والأمني بعد زوال آيديولوجيا الحزب الحاكم وسلطاته الأمنية، وسعت هذه الأحزاب سواء في مصر أو تونس لحل هذه الأجهزة، وهذا ما أتاح لها فرصة مسك الشارع أمنيا وفكريا، لأنها وحدها القادرة على ذلك حاليا، ناهيك عن استثمارها المحطات الفضائية كواجهة إعلامية مهمة تخاطب من خلالها الجميع..

لهذا، فإن خطابها الآن حول الديمقراطية يختلف كثيرا عما كان في السابق، والسبب أن هذه الديمقراطية من شأنها الآن أن توصل هذه الأحزاب لسدة الحكم، وهي واثقة من أنها ستنال ما تريده عبر آليات الانتخابات. ويرى البعض، خاصة القوى الليبرالية، أن الانتخابات والديمقراطية من الممكن أن تكون وسيلة من وسائل وصول هذه القوى للسلطة، وقد تكون شعاراتهم الآن مجرد وسيلة تساعد الإسلاميين على الوصول للحكم، وليست بالضرورة موقفا آيديولوجيا أصيلا من فكرة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.

لكننا نجد أن عوامل عديدة لعبت دورها في أن يكون للأحزاب الإسلامية في الوطن العربي دور مهم في ربيع العرب؛ أهمها بالتأكيد أن أنظمة الحكم التي تهاوت في كل من مصر وتونس وليبيا، وبعض أنظمة الحكم التي تصارع من أجل بقائها كما هي الحال في كل من سوريا واليمن.. هذه الأنظمة ساعدت في تعزيز مكانة الأحزاب الإسلامية في بلدانها، من خلال احتواء الأنظمة الأحزاب السياسية القومية واليسارية والتحالف معها ورعايتها بشكل أو بآخر على اعتبار أنها أحزاب معارضة في حينها.

والمطلوب في مرحلة ما بعد الانتخابات أن نعرف هل الحركات الإسلامية قادرة على التحول لحركات إسلامية مواكبة لروح العصر، ومقتضيات تطوير مجتمعاتها، وهل ستنجح في التوفيق بين مقتضيات الحكم في دولة مدنية تراعي مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.