الربيع العربي: الرأي الآخر!

TT

اجتمعت مؤخرا مع أحد الأصدقاء، والذي لم ألتق به منذ فترة طويلة، ودارت بيننا أحاديث مختلفة من أهمها ما كان عن أحداث الربيع العربي والثورات التي انطلقت في أكثر من دولة، وكانت للرجل وجهة نظر مثيرة للجدل تشبه إلى حد ما ما يتم تناقله في بعض الدوائر التي تتبنى نظرية المؤامرة وفكر «المفعول به»، كما أسميها. فهو يقول إن هناك مجموعات شبابية مختلفة في العالم العربي تلقت تدريبا وتوجيها في الولايات المتحدة وفي صربيا، وتلقت دعما ماليا سخيا، تم فيه توجيهها إلى كيفية ترويج الأفكار في العالم الافتراضي على شبكة الإنترنت وتجييش الأعداد الكافية لإحداث الحراك المطلوب، وهو ما يفسر توحيد الشعارات مثل «الشعب يريد إسقاط النظام» و«ارحل»، والتي كانت تتكرر بشكل كربوني من بلد لآخر.

أما عن «السبب» في كل ما يحدث، فهو - بحسب الراوي - يعود إلى أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، فالولايات المتحدة تلقت أعنف اعتداء على أراضيها في أحداث برجي مركز التجارة العالمي والبنتاغون والضحايا الذين رافقوا ذلك كله، والهجمة هذه أصابت أميركا من «مجموعة» منظمة جدا وهي «القاعدة»، تنتمي إلى الإسلام المتطرف، وهناك غيرها من المنظمات التي قويت وأصبحت كيانا أهم من الدول التي تنتمي إليها، مثل «الإخوان المسلمين» وحماس وحزب الله وجبهة الإنقاذ و«الجهاد» وغيرها، وهذه الكيانات تلعب بقوانين وأنظمة خارج المفهوم الدولي المتعارف عليه للأمم، وبالتالي لا تنطبق عليها الأنظمة نفسها التي تخضع لها الدول.

وعليه، فإن أميركا ستسعى لتغيير أنظمة الحكم في الدول العربية، ويكون لهذه الكيانات المجال في الانخراط التام في الحياة السياسية وتكوين أحزاب سياسية معترف بها تماما لها الحق في المشاركة السياسية، ترشحا وانتخابا، وإذا ما فازت فلها الحق في المشاركة في تكوين الحكومات أيضا، وهذا بحسب مفهوم أميركا سيقلل من فرصة بقاء هكذا كيانات «خارج» الإطار الرسمي لمنظومة الدول والحكومات، وبالتالي ستكون خاضعة لمعايير ومرجعيات يتفق عليها العالم بأسره، وأي «خروج» عن ذلك سيتم التعامل معه بالشكل اللائق والمطلوب. ويعتقد صديقي أن هذه «القناعات» الجديدة في الولايات المتحدة سببها التغييرات الدولية التي مكنت من ظهور قوى مهمة عالمية آخذة في التنامي اقتصاديا وعسكريا وبالتالي سياسيا، أهمها روسيا والصين والهند، وهي (أي الولايات المتحدة) ترى عن قناعة أنها بحاجة «للتفرغ» لهذه التغييرات الكبرى، وعليه لا بد أن تضع حلا جديدا وطويل المدى للجماعات الجديدة التي بزغت في منطقة الشرق الأوسط وأخذ نفوذها في الازدياد والانتشار بشكل بات يهدد ويزعج ويقلق.

استمعت لصديقي بإصغاء تام ومن دون مقاطعة، علما بأن كثيرا مما ذكره سبقه إليه آخرون بشكل أو بآخر، ولكني آثرت إعطاءه فرصة كاملة لإبداء وجهة نظره، فسألته: هل انتهيت من شرح وجهة نظرك؟.. فقال لي: «نعم انتهيت».. فسألته: أتوافقني أنه لولا صلاح التربة وجاهزيتها لما نبتت فيها البذرة؟.. فقال لي: «ما قصدك؟».. فقلت له إنه لولا أن التربة العربية صالحة ومهيأة تماما بوجود المواطن المكسور والمتعطش للحرية والكرامة وحق العيش الشريف لما نجحت أي نظرية من نظريات المؤامرة.

هذا هو أصل المشكلة، والبحث عن أسباب أخرى مفيد لكنه لا يعطي الصورة كاملة.

[email protected]