رغم قتل القادة.. الإرهاب يستمر

TT

مما لا شك فيه أن مقتل أنور العولقي، رجل الدين اليمني من أصل أميركي، في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، يعد أبرز هجوم على تنظيم القاعدة منذ مقتل أسامة بن لادن في مايو (أيار).

ومن الممكن أن يؤدي مقتل العولقي إلى زعزعة استقرار تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لبعض الوقت، وربما يعوق أيضا قدرة التنظيم على إلهام العناصر المسلحة في الغرب، إلا أنه من غير المحتمل أن يكون ضربة قاتلة لتنظيم القاعدة.

وتوضح الدلائل أن قتل قادة الإرهاب، أو «ضرب عنق» المنظمات الإرهابية، بلسان العسكريين، نادرا ما يعمل وحده على إنهاء العنف، بل ربما تكون له نتائج عكسية بالفعل. من الممكن أن يؤدي قتل قادة بارزين إلى إثارة حماس أتباعهم للانتقام وزيادة تعاطف المدنيين بشأن قضية المقاتلين.

إن التركيز على التخلص من قيادة جماعة إرهابية من النادر أن يؤدي إلى انهيار هذه الجماعة. وتوضح الدراسة التي قمت بها لنحو 300 حالة تم التخلص فيها من قادة 96 جماعة إرهابية في كل أنحاء العالم، بما فيهم تنظيم القاعدة وحماس، بين عامي 1945 و2004، أن احتمال انهيار الجماعات التي تم اعتقال أو قتل قادتها ضعيف للغاية.

وبالنسبة للمنظمات الإرهابية التي يبلغ عمرها أكثر من 20 عاما، فإن الاحتمال الذي يشير إلى أن التخلص من القادة سيعمل على تدمير المنظمة ينخفض بصورة ملحوظة. في الواقع، أصبح هذا يأتي بنتائج عكسية وذلك لأن الجماعة تصبح أكثر ثباتا. ومن الممكن أن تسترد الجماعات الكبيرة عافيتها بعد التخلص من قادتها؛ وهذا في الغالب لا يؤدي إلى شلل جماعات لديها أكثر من 500 عضو. كما أنه من الصعب زعزعة استقرار الجماعات الدينية أو الحركات الانفصالية. وفي الواقع يكون احتمال تداعي الجماعات الدينية التي فقدت قادتها أقل من احتمال تداعي الجماعات التي لم تفقد قادتها.

وفي حالة تنظيم القاعدة، تشير هذه النماذج إلى أن موت الأعضاء البارزين في التنظيم من الممكن أن يعمل على زعزعة استقرار التنظيم على المدى القصير، لكنه لن يكون فعالا في التسبب في انهياره.

لقد تم تشكيل تنظيم القاعدة عام 1988، أي أن عمره أكثر من عشرين عاما، وهو عمر تصبح فيه الجماعات أكثر استقرارا. كما أنه جماعة دينية، مما يجعله أكثر ثباتا ضد الهجمات على قيادته. وأخيرا فإن العديد من المراقبين يعتقدون أن الجماعة لديها أكثر من 500 عضو، مما يجعله يتخطى المعدل الذي تصبح فيه المنظمات الإرهابية أكثر مرونة وقدرة على التغلب على الهجمات ضد قيادتها.

إن هذا لا يعني أن مقتل العولقي لا قيمة له. فقد كانت لدى العولقي قدرة فريدة على إثارة حماسة المقاتلين المحتملين في الغرب، كما أنه على علاقة بعمليات إطلاق النار في فورت هود بتكساس في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، ومخطط تفجير طائرة ركاب متجهة إلى مدينة ديترويت في 25 ديسمبر (كانون الأول) من العام نفسه، ومحاولة تفجير فاشلة في ميدان «تايمز سكوير» عام 2010.

لكن من غير المحتمل أن يؤدي مقتل العولقي إلى إضعاف تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بدرجة كبيرة. وتوجد في التنظيم هيكلة قيادية تجعل التأثر بفقده أمرا صعبا، ولن يعوق موته قدرة التنظيم على مهاجمة أهداف في اليمن، حيث تعد الأزمة السياسية هناك فرصة لنمو التنظيم. ورغم أنه من الصعب أن يقوم تنظيم القاعدة بإحلال شخص لديه قدرة العولقي الفريدة على جذب وإلهام المقاتلين في الغرب، فلدى تنظيم القاعدة صدى آيديولوجي يتجاوز القيادة. كما أن المذهب الذي يقوم عليه تنظيم القاعدة لا يعتمد على القادة، مثل بن لادن أو العولقي.

وتعمل الطبيعة اللامركزية لتنظيم القاعدة، وكذلك فروعه الإقليمية التي تعمل بصورة مستقلة للغاية، على زيادة قدرته على مقاومة الهجمات على القيادة. ومن الممكن ألا يؤثر ضعف أحد الأفرع على المدى الطويل على قدرة الفرع الرئيسي على القيام بعمليات.

وبينما يعد مقتل العولقي نصرا تكتيكيا مهما، يشير أحد الأبحاث إلى أنه بمرور الوقت سوف يجتاز تنظيم القاعدة هذا الهجوم والهجمات الأخرى الأخيرة. إن التركيز على القادة وحدهم لن يقوض التنظيم. ومن المهم أن تستمر هذه الهجمات بأساليب تعمل على إضعاف قدرة التنظيم على جذب مقاتلين جدد. ومن الممكن أن يؤدي سحب القوات من أفغانستان إلى التشكيك في أحد الأسباب التي يقاتل التنظيم من أجلها. علاوة على ذلك، فإن تقديم خدمات اجتماعية حيوية في مجتمعات يعمل فيها تنظيم القاعدة ومقاتلون آخرون من الممكن أن يقوض من فرصهم في الحصول على دعم محلي. ويجب أن يكون تقويض الدعم المحلي الذي تعتمد عليه الجماعات حجر زاوية في سياسات واشنطن لمكافحة الإرهاب، بدلا من التركيز بصورة أساسية على قتل قادتهم.

* باحثة في كلية هاريس للدراسات السياسية العامة

بجامعة شيكاغو

* خدمة «نيويورك تايمز»