المفجر الوحيد

TT

قد نعرف قريبا بعض الحقائق عن كارثة لوكربي. لكن الذي لن نعرفه هو تواطؤ الغرب المعيب في جريمة قتل عامة لمجموعة من الأبرياء. ما زال عبد الباسط المقرحي يقول إن دوره في الجريمة «مبالغ فيه». وعندما يتأكد من نهاية القذافي فسوف يقول إنه لا دور له، وإنه طلب منه أن يكون ضحية إضافية من ضحايا الطائرة، لقاء وعود معينة وتهديدات معينة. تخيل جريمة بهذا الحجم يقررها ويخطط لها وينفذها موظف مخابرات ثانوي في مالطا، التي حولها النظام السابق إلى مرتع لرجاله يراقبون مواطنيهم ويطاردونهم.

تحدثت إلى عبد الباسط المقرحي مرة في سجنه بناء على طلب من زميل مصري. قال الرجل ما يقوله جميع السجناء، وهو أنه بريء. وقال إنني أظلمه بالإشارة إليه بتهكم. وتوقفت عن ذلك. ثم رأيت الإهانة التي ألحقت بالرجل عندما عاد إلى بلده ليموت هناك، فأقيم له استقبال بطل قومي. وكان الاستقبال ثقيلا وغبيا أيضا. فقد أكد التهمة على ليبيا. وأحرج اسكوتلندا التي قررت الإفراج عنه في ما زعم أنه صفقة تدخل فيها توني بلير.

لم يكن في العفو عن الرجل المريض أي خطأ. الرحمة ليست خطأ. وأمس عاد المقرحي إلى الكلام مستخدما مصطلحات لا شك أن محاميه أملاها عليه، كالقول إن دوره كان مبالغا فيه. فهو لا يريد أن يتهم المحكمة التي أدانته وحده دون سواه، ولا أن يحرج الذين أفرجوا عنه، ويخاف بالتأكيد ردة فعل بقايا النظام. ألم يتم الاتفاق على أن يحدد الفاعل نوعية المحكمة التي يقبل بها والقانون الذي يرضى عنه؟ طبعا لا سابقة لذلك. لكن كانت هناك عائلات منكوبة تنتظر أن تبلغ بأن ثمة قاتلا ما وراء الكارثة. وكان هناك سعي لإنقاذ الليبيين من ذل الحصار وعبور 800 كيلومتر إلى تونس من أجل سفرة أقل مسافة.

وقال لي شاب تونسي كم كان يحزنه رؤية المرضى الليبيين المتعبين آتين إلى بلاده للعلاج. فهل يعقل أن بلدا في ثروات ليبيا لا أطباء فيه ولا مستشفيات، اللهم إلا الممرضات الأوكرانيات في الخيمة، أو الممرضات البلغاريات في السجن، في ظلم معلن وفج ووقح مما اعتاده النظام؟

هل سوف يهتم كثيرا لما سوف يكشف عنه غدا؟ لا. اعتاد أن يضحك لهذه الأمور. هذه بطولات لا جرائم، كما دل الاستقبال الذي أقيم لعبد الباسط المقرحي العائد على كرسي متحرك، ولم يعد يريد شيئا من هذه الدنيا سوى أن تنساه وأن ينسى. فمن الذي يريد أن يبقى في ذاكرة العالم وأهله وعائلته، قاتلا جماعيا ينسف الطائرات من مكتبه في مالطا؟