السلام مع إسرائيل وضرورة الدعم الشعبي

TT

القاهرة - سألني سائق يدعى محمد مؤخرا «مصر ذاهبة إلى أين؟»، وهو السؤال الذي يشغل بال الجميع، حيث يفسح الربيع العربي للثورات الشعبية المجال لموسم جديد من إجراء انتخابات حرة هذا الخريف.

وفي هذه اللحظة الفريدة في التاريخ هناك نوعان من التحديات الخطيرة التي تواجه الأمة المصرية الموجودة في قلب العالم العربي. التحدي الأول هو كيفية زيادة تحفيز وتوطيد التحول الديمقراطي من خلال إعادة تأسيس وحدة وطنية بين جميع المصريين. والتحدي الثاني هو مسألة ذات صلة بتحقيق الالتزام بالسلام في الشرق الأوسط الذي يدعمه حقا جمهور المصريين.

ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس مبارك كان الطريق إلى الديمقراطية مليئا بالعقبات، ولكن روح التفاؤل ما زالت مرتفعة. وأنا أتذكر الآلاف من الناس الذين اصطفوا في ميدان التحرير عند مدخل الجامعة الأميركية في القاهرة ليشهدوا الإعلان عن المشروع القومي للنهضة العلمية وبناء مدينة جديدة للعلوم والتكنولوجيا، فقد شعر الناس أخيرا أن مصر يمكنها أن تلحق بالمستقبل الذي كانت الديكتاتورية قد سدت الطريق إليه. وكان خطابي الذي أذاعه التلفزيون المصري في تلك المناسبة يحمل عنوان «مصر الأمل».

إلا أن هذا التفاؤل قد هزه حدث وقع في يوم الجمعة الأخير من شهر يوليو (تموز)، عندما شهد العالم أكبر مظاهرة منذ «خلع» مبارك، حيث طالب الإسلاميون الذين تجمعوا هناك بمصر جديدة تحكم وفقا للشريعة الإسلامية الصارمة. وقد أدى رفع أعلام تشبه الأعلام السعودية بين الحشود لأن تخرج علينا الصحف بعناوين مثل «بن لادن في التحرير». أعقب ذلك حدوث الهجوم على السفارة الإسرائيلية في القاهرة، في سبتمبر (أيلول)، ردا على مقتل الجنود المصريين على يد القوات الإسرائيلية في سيناء. وقد أدى هذا لحدوث ذعر كبير، خصوصا في الولايات المتحدة، عن أمن إسرائيل ومستقبل السلام في الشرق الأوسط.

ولكن على الرغم من المخاوف التي أثارتها هذه الأحداث المقلقة، فإنني ما زلت متفائلا بشأن مستقبل مصر، فالمصريون لم يعودوا خائفين من حكامهم، وأصبحوا يعرفون كيف يتظاهرون، وهم مصممون على تغيير طريقة الحكم في البلاد. ولكن لا بد لهم الآن من اتباع بعض المبادئ التوجيهية.

أولا، يجب على المجتمع المصري التركيز على أهدافه وغاياته على المدى الطويل، فبعد هذه الثورة التاريخية من غير المعقول أن تشتت وسائل الإعلام طاقة الناس في توافه الأمور وتواصل أساليبها الضحلة التي كانت تستخدمها في الماضي، فالبلد يحتاج إلى خطاب بناء بشأن القضايا الأساسية المهمة، مثل وضع مبادئ الدستور التي تتناول الدين والحكم، وإصلاح نظام التعليم، ودعم الاقتصاد الراكد.

ثانيا، سيكون من الخطأ العزل الظالم لجميع الناس الذين كانوا مرتبطين بالنظام البائد، حيث ينبغي اعتبار هذا العدد الكبير من الناس مواطنين يجب توجيه مواردهم وطاقتهم نحو بناء المستقبل، وليس نحو الوقوف ضد بنائه، فمصر لا تستطيع أن تتحمل تكاليف امتصاص الماضي للطاقة الحيوية لمثقفيها النشطين أو غرق قياداتها السياسية في التفكير في حجم الشريحة التي يمكن أن يحصلوا عليها من «كعكة الثورة».

وسوف يتطلب تأمين الديمقراطية وضع التباين الكبير في الآيديولوجيات والتحالفات السياسية التي ظهرت في الأشهر الأخيرة جانبا مرة أخرى لتحقيق الهدف المشترك الذي وحد الشعب في المقام الأول وهو إسقاط النظام.

وأخيرا، وهو الأمر الأكثر أهمية من كل ما سبق، يجب على الجيش والحكومة رسم خريطة طريق واضحة في الأسابيع والأشهر المقبلة.

فلا يزال الجمهور المصري يكن احتراما كبيرا للجيش، لكنهم يشعرون بالقلق من أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ما زال الكيان السياسي الرئيسي الذي يحكم التحول إلى الديمقراطية. وهذه الحقيقة، بالإضافة إلى حقيقة أن المجلس الأعلى يتصرف ببطء شديد، تقلق الجميع الذين يتذكرون مكائد النظام السابق التي أحبطت التطلعات الديمقراطية.

وأفضل علاج لهذا الشك هو الوضوح والتواصل من المجلس الأعلى وفقا لجدول زمني للانتخابات المقبلة، ولموقفه من عدد من القضايا، مثل قانون الطوارئ والمحاكم العسكرية وحق المصريين في الخارج في التصويت. كما يجب على المجلس أيضا تحديد كيف ومتى سيتم تعيين الحكومة الجديدة. ولا تزال المظاهرات الضخمة مستمرة في ميدان التحرير يوم الجمعة. والبلد بحاجة إلى الاستقرار والأمن من أجل دفعه إلى الأمام.

وإحدى طرق رأب صدع الثقة مع الجمهور هو إنشاء مجلس من المواطنين البارزين الذين يمكن أن يقوموا بدور الوساطة بين المجتمع المدني والنظام الحاكم في أثناء حدوث عملية التحول. وقد وجهت هذه «المائدة المستديرة» بين منظمة النقابات البولندية والحكام العسكريين في بولندا عملية التحول إلى الديمقراطية هناك قرب نهاية الحرب الباردة.

ويهدد الارتباك وعدم الثقة الحالية باندلاع «ثورة الجياع»، التي يقوم عليها نجاح أو فشل الثورة في نهاية المطاف، كما أنه من الممكن أن تخرج الفوضى عن السيطرة. ولهذا السبب وحده يجب علينا أن نقوم بعملية الانتقال السياسي بشكل صحيح وفي أسرع وقت ممكن.

وفي سياق الأوضاع الحالية سيكون من الخطأ استغلال التوتر الحالي بين مصر وإسرائيل لإلغاء معاهدة السلام بين البلدين. ففي أوج الثورة لم تكن هناك لافتات ضد إسرائيل في ميدان التحرير، وقد قال السفير الإسرائيلي الحالي مرارا إنه قبل أحداث الشغب الأخيرة أمام السفارة لم يتعرض لسوء معاملة قط من الشعب المصري، ولكن ما أثار غضب الشباب الذين هاجموا السفارة هو قتل الجنود في الأراضي المصرية في سيناء وبيانات التأييد لمبارك من قبل مسؤولين في حكومة نتنياهو، والتي تصفه بأنه «أفضل صديق لإسرائيل».

منذ قيام الثورة والمصريون يشعرون بأن «الشعب»، وليس الحكام، الذين يجب أن يقرروا نوع العلاقة التي ستكون مع إسرائيل. ومن ثم سيتطلب السلام المنشود في المنطقة الآن عقد اتفاقيات سلام مع 90 مليون مصري وليس مع حاكم واحد تمكن من إسكاتهم بقوات الأمن التابعة له.

وقد بدأت منطقة الشرق الأوسط برمتها الآن في الصحوة بعد ما حدث في تونس ومصر وليبيا، وبطبيعة الحال ستمتد روح الربيع للعرب الموجودين في فلسطين، والذين سوف يطالبون بإنهاء الاحتلال تماما كما طالب المصريون بإنهاء الديكتاتورية.

واستجابة لذلك، ينبغي على القوى الكبرى ألا تضع نفسها ضد تيار التاريخ، وبدلا من ذلك ينبغي عليهم الالتزام بإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من خلال إقامة دولة جديدة على أساس حدود ما قبل حرب عام 1967. وسيكون اتخاذ مثل هذا المسار في مصلحة المجتمع الدولي لأنه سيقلل من العنف وسيحول طاقات الشعوب العربية نحو بناء دولهم، بدلا من التركيز بشكل دائم على الصراع مع إسرائيل. ومن سيستخدم، في هذه اللحظة الحاسمة، الصراع العربي الإسرائيلي لتحقيق مكاسب سياسية سيعد مدانا بارتكاب جريمة ضد الأمل.

إن الأولوية القصوى للجميع في هذه اللحظة التاريخية الحرجة هي عدم السماح لآمال وتطلعات الربيع العربي بالخروج عن مسارها بسبب الانقسامات أو التلاعب بالعواطف المتأججة التي ظلت لفترة طويلة تدور حول القضية المركزية المتعلقة بالسلام في الشرق الأوسط.

* حائز على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1999، وأول مبعوث علمي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»