الوباء.. لا تفسير آخر

TT

تبدأ رواية «الطاعون» التي نال عليها ألبير كامو جائزة نوبل، بمشهد الطبيب برنار ريو يعالج ناطور بنايته في وهران (عنابة فيما بعد) من ارتفاع شديد في الحرارة. لكن البواب يموت. ثم تحدث إصابات مشابهة، فيعقد الطبيب مشاورات مع زملائه: هل يعقل أن يكون الطاعون في المدينة؟ يستبعد الأطباء ذلك. لكن بعد أيام يرى الدكتور ريو الجرذان النافقة تملأ الشوارع. لا يبقى هناك شك: إنه الوباء. قبل كامو كانت هناك رواية الإيطالي بوكاشيو «ديكاميرون» (مطبوعات حلمي مراد) عن مجموعة من الأثرياء الذين هربوا من الطاعون في البندقية إلى الجبال ثم أدركهم.

أخبار الاغتيالات الأخيرة في سوريا مفزعة. هذه طلائع وباء أسوأ بكثير من الطاعون: الحرب الأهلية.

هذا ما كان يخشاه العرب. أي أن تصل المواجهة بين المعارضة والنظام إلى مرحلة تنذر باندلاع حرب أهلية، بين الأمن والأهالي، أو حرب طائفية في بلد صار على حافة المشاعر. أو الاثنين معا. فعندما يتخطى الصراع حاجزا ما، لا يعود مهما ماذا نسمي الأوبئة. تقول الـ«نيويورك تايمز» إن الأسلحة تتدفق على مناطق حمص وغيرها طبعا. وكان اغتيال نجل المفتي أحمد حسون علامة سيئة من علامات التدهور. والأكثر خطورة هو انغلاق جميع بوابات الحلول والمخارج. فالوساطة العربية لم تلق في دمشق أفضل مما لقيته المبادرات الأولى، من تركيا وقطر. والإعلام السوري صار يصنف «العثمانيين» إلى جانب «الصهاينة والأميركيين والناتو». والمحاولات التي قيل إن الروس قد بذلوها لم تؤد إلى شيء، لأن الروس على علاقة مع الدولة ولا تأثير لهم على المعارضة. ومجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة، ليسا أفضل حظا من الدكتور نبيل العربي. فالعقوبات الدولية لا أثر لها في مثل هذه الحالات، كما دلت تجارب العراق وليبيا من قبل. وسوف يظل النظام ينظر إلى كل وسيط على أنه عدو؛ («محو أوروبا عن الخريطة»، و«الوساطة العربية كأنها لم تكن»).

في مصلحة مَن انزلاق سوريا نحو الحرب الأهلية؟ لا يتصور المرء أن في ذلك مصلحة لأحد بل دمار بلا حدود في سوريا وفي جوارها. وفي غياب أي إمكانية لأي وساطة ممكنة، ربما لم يبق سوى تحرك عربي أكثر فعالية من محدوديات الجامعة. لم يعد من شك أن الوباء على الأبواب.