الملك عبد الله يفتح آفاقا جديدة للمرأة ومستقبلا زاهرا واعدا

TT

في خطوة إصلاحية جريئة وعظيمة، قام الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته الافتتاحية أمام مجلس الشورى السعودي بإقرار مشاركة المرأة السعودية عضوا في مجلس الشورى وكذلك ناخبة وعضوا في المجالس البلدية، وهي خطوة إصلاحية جديدة بعد خطوات عديدة في مجالات التعليم والتنمية والقضاء والبعثات والمؤسسات والخدمات، لكنها الأهم في اختصاص النصف الثاني من المجتمع ودفعه إلى الأمام ومشاركته بقوة في مجالات مهمة وحساسة وقيادية. إنه عيد للمرأة التي ترفض التهميش وعيد للرجل المدافع عن حقوقها وعيد للمصلحين الشرفاء. لقد قامت المرأة السعودية بخطوات كثيرة أثبتت جدارتها وكفاءتها وقدرتها في مختلف الأصعدة والميادين. إن القرارين التاريخيين بدخول المرأة في المجلسين: التشريعي (الشورى) والرقابي (النيابي) يمثل تحديا للخط المحافظ الذي يظن أنهما يحتاجان إلى ولاية المرأة وغير ذلك من الجدل حول المرأة وصلاحيتها وولايتها ومكانتها في الإسلام.

وأعتقد أن الإسلام أعطى صورة رائعة وعظيمة للمرأة كما دعم حقوقها في شتى الميادين، فالملاحظ وجود سورة كاملة في القرآن الكريم باسم (سورة النساء) تتحدث عن المرأة وحقوقها وموقعها وأهميتها الكبيرة ولا توجد سورة للرجال، وفيها آيات كثيرة ومنها جعل المرأة نظيرة للرجل مساوية له بقاعدة منطقية عامة رائعة (للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن)، فالعمل الصالح والكسب هو المائز والمعيار وليس الجنس، كما توجب السورة على الزوج وتأمره بضرورة معاملتها دائما بالمعروف (وعاشروهن بالمعروف)، وما أبلغها من آية تختصر كل التصرفات بإطلاقها وعمومها! كما تمنع التصرف في أموالها وإرثها (لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن)، (وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا، أتأخذونه بهتانا وإثما كبيرا)، وغير ذلك من آيات سورة النساء، فضلا عن غيرها كثير في مختلف السور الأخرى.

وقبل النبي دخول المرأة في بيعة الرضوان وفيهن النساء، مما يعني اليوم مشاركتهن السياسية في الانتخابات ورضي الله بإمضاء البيعة وقبوله رضا منه تعالى. ومن النادر في تاريخ الفقهاء القدماء ألا نجد من أساتذتهم نساء تتلمذوا على أيديهن، بل كانت أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) تعطينا مصدرا مهما للأحاديث، بل ما ورد بأخذ نصف ديننا منها.

وقد مدح القرآن نساء عديدات جعل منهن رموزا وأمثلة رائعات مثل مريم بنت عمران (يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين)، وتعبير الاصطفاء من أرقى التعابير القرآنية للتميز والسمو والرفعة، وزوجة فرعون الصامدة أمام زوجها فرعون وجبروته وطغيانه (ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله)، وأم موسى (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)، والوحي هو أعلى وسائل الاتصال الرباني، إضافة إلى قصة بلقيس الحاكمة السياسية الحكيمة، فما إن جاءها كتاب سليمان حتى نظرت إليه وتأملته وسمته كتابا كريما، وطريقتها في استشارة قومها وأخذ رأيهم دوما قبل اتخاذ أي قرار (قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون)، وهي سياسة حكيمة، فإنها تستطيع أن تكون دبلوماسية في الجواب عن الأسئلة المحرجة (قال نكروا لها عرشها ننظر أتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون. فلما جاءت قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو)، فأجابت بين الإثبات والنفي (كأنه هو)، وما أروعه من جواب سياسي حكيم!

وقد حظيت نسوة بموقع متميز وعظيم مثل خديجة بنت خويلد - التاجرة الكبيرة المعروفة التي خطبها كبار القوم وتمنوا الزواج بها لكنها رفضتهم، وقد اشتغل عندها النبي الكريم عليه الصلاة والسلام حتى رأت صدقه وأمانته ثم تزوجته، وآمنت به إذ كفر به قومه، وصدقته إذ كذبوه، وساندته مساندة عظيمة وإيثارا شامخا حتى صرفت كل مالها وملكها فنامت على جلد كبش في حصار قاس دام ثلاث سنوات في شعاب مكة حتى رحلت فحزن النبي عليها كثيرا، ودعا لها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب، وسمى ذلك العام عام الحزن، وظل يذكرها إلى آخر حياته، حتى قالت له بعض أزواجه (ما زلت تفتأ تذكر خديجة، وقد أبدلك الله خيرا منها)، فقال (لا والله ما أبدلني خيرا منها، فقد واستني بمالها ونفسها إذ حرمني الناس).

وجاءت امرأة تجادل النبي فأنزل الله سورة كاملة في حقها، وأحكاما تشريعية استجابة لها، وعلاجا لما طرحته من مشكلة الظهار المستحكمة آنذاك (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما). كما كان للمرأة موقع رائع في مختلف المواقع السياسية والاجتماعية والعسكرية، فقد اشتركت في معركة أحد مثلا أمهات المؤمنين كعائشة وأم سلمة، إضافة إلى بنات النبي، كذلك كانت في قصة المباهلة مع نصارى نجران في موقع تحد ومواجهة سياسية واجتماعية، ولم يكتف عندها بالرجال بل أضاف ضرورة النساء (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل...). كما كان النبي يعجب كثيرا بشعر الخنساء بنت عمرو بن الحارث ويقول لها مرارا: (هيه يا خناس)، حتى اشتهر قوله (فينا أشعر الناس الخنساء). وكيف لا يقول ذلك وقد أقر به جرير، وحكم به النابغة الذبياني عند المفاضلة بينها وبين الأعشى وحسان بن ثابت، فقال: (الخنساء تكاد تكون أشعر الجن والإنس)، كيف لا، وهي القائلة:

إن الزمان وما يفنى له عجب

أبقى لنا ذنبا واستؤصل الراس

إن الجديدين في طول اختلافهما

لا يفسدان ولكن يفسد الناس

وقد كان للنساء مواقف سياسية يخلدها التاريخ، فقد وقفت نساء يحاججن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أمام الملأ وفي خطب الجمعة ويبدين آراءهن مخالفة للخليفة حتى استدلت إحداهن بالقرآن فيجيبها (أصابت امرأة وأخطأ الخليفة)، وما أروعه من موقف عظيم! وكان من النساء العظيمات ما يخلدهن التاريخ كسويدة الهمدانية من البصرة، حيث عزلت واليين اثنين في مدينتها البصرة، أحدهما أيام خلافة علي بن أبى طالب والآخر أيام معاوية بن أبي سفيان، وهي تنظم الأشعار وتشترك في حرب صفين وغيرها.

وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة ومسهبة في فضل المرأة وأهميتها في شتى المواقع، فقد ورد مثل (المرأة ريحانة وليست بقهرمانة)، (الجنة تحت أقدام الأمهات)، (خير الأولاد البنات)، (البنت رحمة، والرحمة يثاب عليها، والولد نعمة، والنعمة يحاسب عليها)، (استوصوا بالنساء خيرا)، (أكثر أهل الجنة النساء)، بل شجع على خروجها حتى للمسجد قائلا (لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله)، وتخيير البنت بالزواج إذا رضيت أو أن ترفض ما أراده والدها، وغيرها كثير، ولعظمة نسوة خالدات قال بعضهم:

فلو كان النساء بمثل هذه

لفضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيب

ولا التذكير فخر للهلال

انتهى عصر تهميش المرأة وجعلها حبيسة الدار، فلا بد للمرأة أن تنطلق في آفاق الحياة والإبداع والتطور وأن تكون فاعلة أساسية مؤثرة مهمة في عصر يرفض تهميش المرأة وغبن حقوقها والتقليل من كفاءتها.

والمتوقع من قوانين الملك عبد الله أن تفتح آفاقا جديدة للمرأة السعودية ومستقبلا زاهرا وضاء، مستقبلا واعدا بالأمل والحيوية والرقي.

* كاتب عراقي