مبادرة الملك حول المرأة طريق مكمل لبناء حضارة جديدة

TT

في مناسبة العيد الوطني للمملكة العربية السعودية، أعلن الملك عبد الله بن عبد العزيز عن إعطاء المرأة السعودية الحق في المساهمة في تسيير أمور البلاد، عن طريق المشاركة بصفة العضوية في مجلس الشورى في دورته المقبلة عام 2013، وحق الترشح والانتخاب في المجالس البلدية منذ الدورة المقبلة في عام 2015. ويُعد هذا القرار (إذا ما نظرنا إليه في إطار القرارات السابقة للملك عبد الله) بمثابة خطوة نوعية في مسيرة بناء الدولة السعودية الحديثة، التي لم تبلغ من العمر سوى 79 عاما.

فبعد أن جمع النبي (صلى الله عليه وسلم) قبائل الجزيرة العربية في أمة واحدة، في بداية القرن السابع الميلادي، قامت أركان الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين من عاصمتها في المدينة المنورة. لكن الوضع تغير بعد ذلك عندما أسس الأمويون دولتهم في دمشق في 662، حيث انتقلت عاصمة الدولة إلى خارج البلاد.

ومنذ ذلك التاريخ، عاد التفكك القبائلي تدريجيا إلى جزيرة العرب ليستمر نحو ثلاثة عشر قرنا، إلى أن جاء عبد العزيز بن سعود في بداية القرن العشرين ليعيد وحدة قبائل نجد والحجاز في دولة واحدة سنة 1932، سميت المملكة العربية السعودية. وبعد ست سنوات من إعلان المملكة، جاء اكتشاف النفط في الظهران ليدعم الوحدة الوطنية السعودية، ويمكّن الدولة الوليدة من البدء في مسيرة التطوير العمراني والاجتماعي. وبعد وفاة الملك عبد العزيز في 1953، بدأت عملية بناء أركان الدولة (الإداري والاقتصادي والاجتماعي) منذ 1964، في عهد الملك فيصل. وكان الملك فيصل قد حدد الاتجاه الحضاري للمملكة عندما قرر إلغاء العبودية في 1962، وكان بَعدُ رئيسا للوزراء في عهد الملك سعود، ثم جاء الملك فهد في 1975 ليقيم ثورة عمرانية تضمنت بناء المدن والطرق والمطارات، كما استطاع الملك فهد بحكمته الوقوف في وجه محاولة صدام حسين للسيطرة على دولة الكويت وساحل الخليج، ثم دخلت الدولة السعودية مرحلة جديدة من تاريخها بلغت فيها سن الرشد منذ عام 2005، مع بداية حكم الملك عبد الله، سادس ملوك السعودية والابن الثاني عشر لعبد العزيز. فقد أصبحت المملكة الآن عضوا فاعلا ومؤثرا، ليس فقط في مسيرة الاقتصاد العالمي، ولكن في المسيرة السياسية كذلك.

كان تطوير التعليم من أهم المسائل التي حظيت باهتمام الملك عبد الله، حيث أدرك أن الدول الحديثة تقوم على أساس من العلم والتكنولوجيا؛ ففي سنة 2005 قرر الملك إعطاء منح دراسية للشبان والفتيات للدراسة في الغرب، سواء في المستوى الجامعي أو في الدراسات العليا، ويقدر عدد الطلاب الذين استفادوا من هذه المنح بنحو 70 ألفا توزعوا على 25 دولة، أهمها الولايات المتحدة. وفي العام الماضي تم تخصيص نحو 25 في المائة من ميزانية الدولة السعودية للتعليم. كما أكد الملك على ضرورة إشراك المرأة السعودية في عملية بناء مجتمع المستقبل، فعين نورة بنت عبد الله الفايز (التي كانت تعمل بالتدريس في الولايات المتحدة) نائبة لوزير التعليم السعودي مسؤولة عن تعليم البنات، وشجع على إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا للبحث العلمي المتقدم للشبان والفتيات معا. ولما كان نشر التعليم في المملكة منذ عهد الملك فيصل قد أنتج مجتمعا جديدا من الشبان والشابات القادرين على القيام بالخطوة التالية في التطور الحضاري للسعودية، فقد قام الملك عبد الله بإصدار عدة قرارات مهمة في بداية العام الحالي أدت إلى رفع مستوى المعيشة، خاصة في الإسكان ومكافحة البطالة والتعليم والصحة والضمان الاجتماعي ومكافحة الفساد. وخصص الملك عبد الله 37 مليون دولار للإنفاق على المسائل الحيوية في البلاد، مثل إنشاء وظائف جديدة للشباب وتقديم المساعدات الاجتماعية للعاطلين عن العمل، وكذلك لمساعدة الطلاب، إلى جانب إلغاء ديون غير القادرين على تسديد أقساط سلفيات المساكن. كما أعاد الملك عبد الله تنظيم القضاء السعودي عن طريق تدريب القضاة الشرعيين، وجعل بعض الأحكام القضائية قابلة لإعادة النظر. وكان الملك عبد الله مسؤولا عن إنشاء وكالة خاصة بتشجيع الاستثمار للمساعدة في بناء أعمال اقتصادية جديدة في المملكة، كما خصص مبالغ كبيرة في الميزانية الجديدة لتدريب القوى العاملة على الأعمال والوظائف المستقبلية.

وفي المجال الصحي، أدخل نظام فحص الصدر للنساء للتعرف على مرض السرطان في مراحله الأولى، حتى يسهل علاجه.

أما في مجال الأمن، فقد تمكنت المملكة في عهد الملك عبد الله من التعامل مع الشباب المتطرف، سواء بالطريق الأمني أو طريق النصح والإرشاد، مما جعل المملكة الآن من أكثر دول الشرق الأوسط أمانا. وتغيرت النظرة العالمية إلى السعودية عندما أطلق الملك عبد الله مبادرة للحوار بين الثقافات، حتى يتم التواصل والتفاهم بين شعوب العالم، مما يمكنها من التعايش سلميا فيما بينها وحل مشكلاتها عن طريق التفاهم بدلا من الصراع. فبعد ظهور الجماعات الإرهابية التي تقتل الناس باسم الإسلام، أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز عدة مبادرات للحوار بين الثقافات. ودعا الملك عبد الله إلى مؤتمر عالمي للحوار بين أصحاب الأديان، انعقد في مدريد عاصمة إسبانيا في يوليو (تموز) 2008، شارك فيه نحو 200 شخصية من رجال الدين المسلمين والمسيحيين واليهود. ثم دعا الملك بعد ذلك إلى مؤتمر دولي ثان لحوار الأديان، انعقد هذه المرة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، وشارك فيه مندوبون يمثلون أكثر من 80 دولة.

دخول المرأة السعودية إلى مجال المشاركة السياسية في المملكة هو الطريق المكمل لبناء حضارة عربية جديدة تقوم على العلم والإيمان، وتعمل على البناء لتضيء الطريق لمستقبل جديد.