أبو ماما في زلة لسانية

TT

الرئيس باراك أوباما معروف بقدراته الخطابية وفصاحة كلامه وبلاغته. ولكن كما قال الإغريق حتى هوميروس يقع في خطأ. والعرب تقول: سبحان من لا يخطئ. حدث مثل ذلك للرئيس الأميركي عندما كان يتكلم قبل أيام قليلة فأعرب عن استحسانه أن يتساوى المليونير والبواب في الالتزامات الضريبية، لكن لسانه تعثر فقال: «اليهودي» (Jew)، بدلا من كلمة البواب (Janitor). بالطبع أدرك خطأه فورا فصحح كلامه. ومرت زلة اللسان بهدوء ولم يحاسبه عليها أحد.

لكنني سأفعل وأحاسبه، عملا بما أوصى به عالم يهودي كبير تتلمذت عليه، سيغموند فرويد، مؤسس مدرسة التحليل النفسي، عندما قال إن زلات اللسان تفضح ما في نفس صاحبها وما يشغل باله حقا، وكثيرا ما تكون هي الحقيقة التي يريدها وكبتها.

وقع باراك أوباما بهذه الزلة اللسانية بعد أيام قليلة من خطابه المؤسف للأمم المتحدة، الذي عارض فيه الاعتراف بالدولة الفلسطينية. لا شك أنه واجه، قبيل ذلك، نيران مدافع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة وضغوط إسرائيل والصهاينة الأميركيين عليه، تلك الضغوط التي قُدِّر عليه أن يواجهها منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة. لم يعد بيديه غير أن ينحني ويخضع لتلك الضغوط، لكن عقله الباطن ظل يتململ غير مرتاح لما جرى وينخز في ضمير هذا الرجل المفكر الملتزم بقدسية العدالة وحقوق الإنسان. فكان أن ظلت كلمة «Jew» تطرق أبواب دماغه الباطن وغير الباطن حتى كسرت السدود والحدود وتدفقت على لسانه. وليس لنا غير أن نرثي لهذا الرجل الكبير فيما يعانيه من هذه المحنة، وكم عانى فيها من ساسة وزعماء وأدباء منصفين.

وكم في زلات اللسان من عبر. تذكرني حكاية باراك أوباما بما قيل عن رئيس أميركي آخر، هو الرئيس نكسن. فعندما ثارت فضيحة ووترغيت وهددت بنزع الثقة عنه وإحالته إلى المحاكم التقاه الرئيس الفرنسي بومبيدو لإجراء بعض المفاوضات بين البلدين. انتهى ذلك وعاد كل منهما لبلده. سألوا بومبيدو لدى رجوعه لفرنسا: كيف جرت المحادثات؟ قال: جرت على خير ما يرام. وكان مستر نكسن طيبا ودمثا تماما، لكن شيئا واحدا شغل بالي ولم أفهمه، لا أدري لماذا كان يخاطبني مرة باسم بومبرغيت ومرة أخرى باسم ووتربيدو!

وبأمثالها من زلات اللسان وقع أحد منتفعي السياسة والوطنجية في العراق ممن غرفوا الملايين في ظل الاحتلال الأميركي باسم خدمة الدين والوطن. كان يتكلم فأشار إلى الرئيس الأميركي وقال الرئيس أبو ماما.

وكما قال الشاعر: وكل إناء بما فيه يخزن... عفوا ينضح. آسف! غلطة لسان.