ما دام القلم إلى جواري!

TT

إن شيئا ما يجيء دائما من مكان ما لسبب ما.. وكل شيء يستحق أن أسجله.. فقد انشغلت به بشكل ما.. فكانت هذه الأفكار مثل كرة الإسكواش تضربها لتعود.. مثل حمام الزاجل.. مثل المهاجرين واللاجئين والهاربين والنادمين والضالين.. لا بد أن يعودوا ويتوبوا.. ولا بد أن يقولوا لأحد.. أي أحد في أي مكان: إنا هنا.. ولذلك يجب أن أكون جاهزا لتسجيل ذلك..

ثم عدلت عن ذلك تماما..

فقد وجدت أن القلم والورق إذا كانا إلى جواري نهضت رغبتي في أن أكتب.. وهذا يقلقني ويباعد النوم في عيني..

ووجدت أن كل الأفكار التي خطرت على رأسي لن تذهب.. لن تضيع.. سوف تعود.. فلا شيء يموت.. وإنما كل ما في الكون يتوالد ويتواصل.. ويكمل بعضه بعضا..

فأنا أعيش على لحوم الأبقار.. والأبقار تعيش على الأعشاب والأعشاب تعيش على التربة والتربة هي بقايا إنسان وحيوان.. فكل شيء يعيش على شيء آخر..

والحياة تتوالد على الحياة.. والأفكار تتوالد وتتعايش ويختفي بعضها في بعض مثل موج البحر.. ولكنها هناك دائما.. فلا خوف منها ولا خوف عليها..

وآمنت بما آمن به الأديب البريطاني آرثر كونان دويل من أن الأشياء تلقي ظلالها على العقل.. وله قصة جميلة في هذا المعنى: إن رجلا كان يحلم كل ليلة حلما واحدا.. ولم يجد لذلك تفسيرا عند أحد من الناس.. ثم اهتدى إلى أن في غرفته مقعدا كان يجلس عليه رجل قتل وهو يكتب وصيته لخادمته.. وكان هذا هو الحلم الذي يراه كل ليلة بمنتهى الدقة.. إذن فهو المقعد الذي يحكي قصته.. يشع هذه القصة على عقله كل ليلة!

وكذلك الورق والقلم كان وجودهما إلى جواري دعوة ملحة إلى أن أجلس وأن أكتب.. وألا أنام!! وأعود مرة أخرى إلى «كيمياء الفكرة».. فكثيرا ما أشعر أن درجة اليقظة والتنبه عندي زائدة.. أكثر مما يجب.. وأنني أكاد أكون عصبيا.. وأنا أعرف مقدما ما سوف يحدث.. سوف أكتب كثيرا وبسرعة.. فلا أعرف كيف أقرأ ما كتبت ولا أحد من الذين سوف ينقلون خطي بالآلة الكاتبة..

ولذلك أحاول أن أخفض درجة اليقظة العقلية وذلك بأن أتناول بعض الطعام.. أو أستمع إلى الراديو أو نشرة الأخبار.. أو الأغاني أو الموسيقى وقد أسرح فأنسى ما الذي أفعله ولماذا.. كأن آكل أكثر مما يجب.. أو أجد نفسي مشردا بين الإذاعات والأغاني.. وهنا أجد أنني بددت يقظتي.. فلم أعد قادرا على الكتابة.. وأعدل عنها نهائيا!

وأكتفي بتسجيل بعض الأفكار أو مشروع المقالات لأعود إليها في اليوم التالي!