مل وملوا فجائزوه

TT

لا أعرف شيئا على الإطلاق عن الشاعر السويدي توماس ترانسترومر، الذي أعطي نوبل للآداب هذا العام. لكن إذا كانت الجائزة قد أنشئت في الأساس من أجل تشجيع آداب السويد فلا خطأ في القرار الذي اتخذته لجنة الجائزة المؤلفة من 18 أستاذا جامعيا سويديا، الذين، مثل أعضاء الأكاديمية الفرنسية أو المحكمة العليا الأميركية أو أمين مكتبة الكونغرس، لا يتغيرون مدى الحياة. عندما نعرض أسماء الذين مُنحوا نوبل نجد أن الجائزة أعطيت أحيانا إلى مجهولين لم تنفع حتى هي في حفر مكانة أدبية لهم. لا في الشعر ولا في الرواية ولا في المسرح. وأحيانا يشعر القارئ حول العالم أن الفوز كان متوقعا أو مطلوبا: ألبير كامو، جان بول سارتر (الذي رفضها)، غابرييل غارسيا ماركيز، دوريس لسنغ، ماريو فارغاس لوسا، طاغور، نايبول، ألكسندر سولجنتسين، ونستون تشرشل، أندريه جيد، ونجيب محفوظ. هناك طبعا أسماء أخرى بين 104 أشخاص تلقوها.

لكن هناك أسماء ظلت بلا معنى وجوائز بلا تفسير إلا ما تبرره اللجنة. وربما كان من الصعب بشريا أن نعتمد على أذواق 18 سويديا في اختيار الأفضل أو الأهم من بين نحو مائة مرشح من كل اللغات وجميع الثقافات. ومع ذلك علينا تقبلها كأهم جائزة عالمية، وعلى أنها الأقرب إلى الموضوعية، بسبب سمعة السويديين في الحياد، الاجتماعي والسياسي، أما العلوم وجوائزها فليست خاضعة لمقاييس المشاعر. وعلى الرغم ممَّا يثار حول سوء الاختيار أحيانا، تظل نوبل السويدية أكثر أهمية وعالمية من بوليتزر الأميركية أو غونكور الفرنسية أو بوكر البريطانية. والسبب واضح، هو أنها تُعطى لكتاب من أنحاء العالم، خلافا للأخريات، مع أن بعضنا قد يجد في بعض حملة بوليتزر وغونكور من هو أهم. وقد حُرم أدونيس مرة أخرى من الجائزة هذا العام، مع العلم أن البعض ظن يوم منح جائزة غوته الألمانية أنها تذكرة للسفر إلى القاعة الملكية في استوكهولم لتسلم نوبل.

أعتقد أن اللجنة السويدية تجاهلت، لسبب أو لذائقة، بعض أدباء العذاب العرب، يخطر لي طه حسين؛ لأنه كتب الرواية إلى جانب النقد والتأريخ، كما يخطر لي في صورة خاصة الروائي السوري حنا مينه وتجربته الإنسانية المذهلة. فالغولاغ الاجتماعي، أو الفقر، الذي نشأ فيه وتحدث عنه، لم يكن أقل قسوة من غولاغ سولجنتسين السياسي. لكن حنا مينه حُرم توافر العلاقات التي يتمتع بها المصريون تلقائيا في صحافتهم وحضورهم. ولم تتوافر له الظروف التي توافرت لمحمد شكري في المغرب؛ حيث عرف الرجل كيف يحول حياته إلى حكايتين: كتابية حادة وشفهية كثيرة الصخب، متعددة الألوان.

هناك ألف شاعر في العالم مثل توماس ترانسترومر. مثله مجهولون ومثله بلا إشراقة ومثله شعراء لأوقات الفراغ وملل المدن الباردة، لكن يتميز العزيز توماس بأنه من السويد، وبأن مواطنيه الـ18 يصابون بالملل هم أيضا، لعلها جائزة الملل والرتابة هذا العام.