رغم انتهاء الركود رسميا.. دخول الأسر الأميركية في تراجع

TT

في إشارة كئيبة على استمرارية التراجع الاقتصادي، تراجع دخل الأسر خلال العامين التاليين لانتهاء الركود بدرجة تجاوزت تراجعه خلال فترة الركود نفسها، وذلك بحسب ما أفاد به بحث جديد.

وفي الفترة بين يونيو (حزيران) 2009، عندما انتهى الركود بشكل رسمي، ويونيو (حزيران) 2011، تراجع متوسط دخل الأسر وفقا للتضخم بنسبة 6.7 في المائة ليصل إلى 49.909 دولار، وذلك بحسب ما جاء في دراسة أجراها مسؤولون سابقون بمكتب الإحصاء. وخلال فترة الركود - من ديسمبر (كانون الأول) 2007 حتى يونيو (حزيران) 2009 - تراجع دخل الأسر بنسبة 3.2 في المائة.

وتساعد هذه النتائج على توضيح مواقف الأميركيين إزاء الاقتصاد وسبب ازدياد الأوضاع سوءا حتى مع نمو الاقتصاد. وقد سيطر شعور بالحزن وحالة من الغضب على المشهد السياسي، بما في ذلك المراحل الأولى من الحملة الانتخابية الرئاسية لعام 2012.

وفي الفترة الأخيرة وصف الرئيس أوباما الوضع الاقتصادي بأنه «طارئ»، وفي نهاية الأسبوع انتقد الجمهوريين بالكونغرس لمعارضتهم مشروع قانون يقدمه من أجل خلق وظائف، ويشمل ذلك خصومات ضريبية ترفع من صافي دخل المواطنين. ويحمّل جمهوريون أوباما المسؤولية عن التراجع، ويقولون إنه أصدر عددا من اللوائح التنظيمية وتعهد بزيادات ضريبية مستقبلية أضرت بثقة المستهلكين والشركات.

وربما تسمع هذه الآراء أكثر من مرة خلال الأسبوع الحالي فيما يبدأ مجلس الشيوخ نقاشا حول مشروع الوظائف. ومن غير المحتمل تمرير مشروع القانون بالكامل - حيث إنه يشتمل على مزيج من الخصومات الضريبية والأعمال العامة وإعانات بطالة وبنود أخرى تبلغ تكلفتها 447 مليار دولار - ولكن يبدو أن أجزاء معينة لها فرصة كبيرة.

ويبدو أن التراجع الذي تبلغ نسبته 9.8 في المائة في الدخل من بداية الركود حتى يونيو (حزيران) من العام الحالي - وهو أحدث شهر في الدراسة - يعد الأكبر على مدار عدة عقود، بموجب بيانات أخرى صادرة عن مكتب الإحصاء. ووصف غوردون غرين، الذي كتب التقرير مع جون كودر، التراجع بأنه «تراجع هام في مستوى المعيشة الأميركي».

وحدث هذا الانخفاض على الرغم من تراجع معدلات البطالة بنسبة بسيطة حتى 9.2 في المائة في يونيو (حزيران) مقارنة بـ9.5 في المائة قبل عامين. ويبدو أن عاملين رئيسيين ساهما في تراجع الرواتب: تزايد عدد الرجال خارج قوة العمل - الذين لا يعملون ولا يبحثون عن عمل، كما أن الأجر على الساعة للعاملين لم يكن متماشيا مع معدلات التضخم، حيث ارتفعت أسعار المنتجات البترولية والكثير من الأطعمة.

وفي المقابل فإنه خلال فترة الركود نفسها، فاقت مكاسب الأجور معدلات التضخم. ومن الأسباب التي جعلت الرواتب في حالة ركود أن الكثير من الأفراد الذين فقدوا وظائفهم خلال فترة الركود - وظلوا بلا عمل لأشهر - تعرضوا لخصومات في الرواتب في سعيهم للحصول على عمل جديد. وفي دراسة منفصلة وجد هنري فاربر، أستاذ الاقتصاد بجامعة برنستون، أن الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم في فترة الركود وحصلوا على عمل مرة أخرى يحصلون على أجور أقل بنسبة 17.5 في المائة في المتوسط مقارنة مع ما كانوا يحصلون عليه في وظائفهم القديمة. ويقول فاربر: «كاقتصادي متخصص في شؤون العمال، لا أعتقد أن الركود قد انتهى، حيث إن من خسروا وظائفهم أمامهم مشكلات أكثر من أي وقت مضى في سعيهم للحصول على وظائف لدوام كامل».

وأضاف فاربر أن هذا التراجع كان «مختلفا بصورة جذرية» عن معظم فترات التراجع السابقة. ويقول اقتصاديون آخرون إن الأزمات المالية والفقاعات التي تسببت فيها الديون أدت إلى فترات تراجع أعمق استمرت لوقت أطول.

ويقول غرين وكودر إن معدلات البطالة المرتفعة المستمرة والاستمرارية الطويلة لمعدلات البطالة توضح سبب التراجع في الدخول خلال فترة التعافي الاقتصادي.

وخلال فترة الركود، ازداد متوسط مدة الوقت الذي يظل فيه شخص فقد وظيفته بلا عمل إلى 24.1 أسبوع في يونيو (حزيران) 2009، مقارنة بـ16.6 أسبوع في ديسمبر (كانون الأول) 2007، وفقا لما أفاد به مكتب إحصاءات العمل الفيدرالي. ومنذ انتهاء الركود الاقتصادي، استمرت هذه المدة في الارتفاع ليصل إلى 40.5 أسبوعا في سبتمبر (أيلول)، وهي أطول مدة على مدار أكثر من 60 عاما.

وتعتمد الدراسة الجديدة التي أجراها غرين وكود على استطلاعات إحصائية شهرية وليس البيانات السنوية التي ظهرت في تقرير الإحصائي حول الدخل الشهر الماضي. وتتيح الأرقام الشهرية للباحثين قياس التغيرات في الدخل بدقة أكبر خلال ركود أو تعاف وتقديم معلومات أكثر آنية. ويعتمد التقرير السنوي على استطلاعات أجريت في وقت مبكر من العام التالي، وفي بعض الأحيان يخلط الناس بين المبلغ الذي يحصلون عليه في وقت الاستطلاع وما حصلوا عليه في العام الماضي. إضافة إلى ذلك، عادة لا يتماشى الركود مع سنة ميلادية.

وحكمت لجنة اقتصاديين في المكتب الوطني للأبحاث الاقتصادية، وهي مجموعة خاصة تعتبر على نطاق واسع أنها الحكم في قطاع العمل، بأن الركود الأخير بدأ في ديسمبر (كانون الثاني). ويصف المكتب الركود بأنه تراجع وهام وواسع النطاق في النشاط الاقتصادي. وقال الاقتصاديون إن الركود انتهى في يونيو 2009. وفي كل ربع عام منذ ذلك الحين، يشهد الاقتصاد نموا.

ويرى بعض الاقتصاديين علامات على أن الولايات المتحدة تشهد حاليا ركودا آخر أو على وشك الدخول في مرحلة ركود جديدة، على الرغم من أن الأدلة على ذلك مختلطة.

وفي دراستهم الجديدة، وجد غرين وكودر أن الدخل تراجع بدرجة أكبر، وبالنسبة لبعض المجموعات التي تحصل بالفعل على نسبة أقل، وهو معامل يقولون ربما ساهم في عدم مساواة متنام في الدخل.

ويقولون إنه في الفترة من يونيو 2007 حتى يونيو من العام الحالي تراجع متوسط دخل الأسر السنوي بمقدار 7.8 في المائة بين البيض من غير الهسبانك ليصل إلى 56,320 دولار، وبمقدار 6.8 في المائة بالنسبة للهسبانك إلى 39,901 دولار. وبالنسبة للسود تراجع الدخل السنوي بنسبة 9.2 في المائة إلى 31,784 دولار.

ووجد غرين وكودر، اللذان عملا في مكتب الإحصاء لأكثر من 25 عاما، ثمة تغييرات أخرى في الدخول على مدار الأربعة أعوام التي تناولاها بالدراسة. وعلى سبيل المثال تراجع الدخل بعد تعديله وفقا لمعدلات التضخم إلى حد كبير بالنسبة للأسر التي يتولاها أفراد تحت عمر 62 عاما، ولكنه ارتفع بنسبة 4.7 في المائة بالنسبة للأسر التي يتولاها أشخاص في الفئة العمرية من 65 عاما حتى 74 عاما، الكثير منهم ليسوا في قوة العمل. وقد كان التغيير بسيطا بالنسبة لمن تتراوح أعمارهم بين 62 عاما و64 عاما. كما اختلف الأمر حسب نوعية العمل، حيث تراجع متوسط الدخل السنوي إلى نسب متشابهة بالنسبة للعائلات التي يتولاها موظفون في القطاع الخاص (4.3 في المائة) وموظفون بالقطاع الحكومي (3.9 في المائة)، ولكن تراجع بدرجة أكبر بالنسبة لمن لديهم عمل شخصي (12.3 في المائة).

كما جاء التعليم عاملا في الأمر، حيث تراجع متوسط الدخول السنوية بدرجة أكبر للأسر التي يتولاها شخص معه درجة الزمالة بنسبة 14 في المائة إلى 53,195 دولار خلال فترة الأربعة أعوام المنتهية في يونيو 2011، بحسب ما ذكره التقرير.

وبالنسبة إلى الأسر التي يتولاها أشخاص لم يكملوا التعليم العالي، تراجع متوسط الدخول بمقدار 7.9 في المائة إلى 25,157 دولار. وبالنسبة لحملة درجة البكالوريوس أو أكثر تراجع الدخل بمقدار 6.8 في المائة إلى 82,846 دولار.

* خدمة «نيويورك تايمز»