يتعين على أوباما وضع عرض إيران النووي موضع الاختبار

TT

يتعين على الرئيس أوباما أن يتعلم الدرس من رونالد ريغان الذي فاز بالجولة الأخيرة من الحرب الباردة. ويمكن لأوباما أن يتحدى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لكي يضع ما يدعيه فيما يتعلق بتخصيب اليورانيوم موضع التنفيذ - من خلال وقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم التي تتجاوز نسبة 5 في المائة.

منذ ربع قرن مضى من الزمان، كان الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يتباهى بـ«غلاسنوست» جديد، أي الانفتاح والشفافية في أنشطة جميع المؤسسات الحكومية في الاتحاد السوفياتي سابقا. وذهب الرئيس ريغان إلى برلين ودعا غورباتشوف إلى «هدم هذا الجدار». وبعد ذلك بعامين، انهار جدار برلين، وبعد ذلك بوقت قصير انهارت «إمبراطورية الشر» السوفياتية.

وأثناء وجوده في نيويورك لحضور افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، قدم أحمدي نجاد في ثلاث مناسبات مختلفة عرضا لا لبس فيه، حيث قال إن إيران ستتوقف عن تخصيب اليورانيوم بالمستويات التي تفوق تلك المستخدمة في محطات توليد الطاقة المدنية - إذا ما كانت بلاده قادرة على شراء وقود مخصب بنسبة 20 في المائة لاستخدامه في مفاعل الأبحاث الذي ينتج النظائر الطبية لعلاج مرضى السرطان.

ويتعين على أوباما أن يغتنم هذا الاقتراح وأن يرسل مفاوضين فورا لإجراء محادثات بشأن تفاصيل هذا الاقتراح. ومنذ عام 2006 تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم ولديها مخزون متراكم من اليورانيوم المخصب بنسبة 5 في المائة، وهو ما يكون كافيا بعد مزيد من عمليات التخصيب لتصنيع العديد من القنابل النووية. وتقوم إيران أيضا بإنتاج مواد بنسبة 20 في المائة كل يوم، وأعلنت في شهر يونيو (حزيران) أنها تعتزم زيادة إنتاجها بمقدار ثلاثة أضعاف.

إن وجود مخزون من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة يقلص الجدول الزمني المحتمل لتصنيع مواد نووية من أشهر إلى أسابيع. في الواقع، إن امتلاك إيران لليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة يقربها بنسبة 90 في المائة من امتلاك سلاح نووي، ولكن دفعها إلى العودة إلى اليورانيوم المخصب بنسبة 5 في المائة يبعدها كثيرا عن تحقيق هذا الهدف. والشيء الأكثر أهمية هو أن الحصول على تعهد من إيران بأن تلتزم بتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تزيد على 5 في المائة سوف يمنع الجمهورية الإسلامية من المضي قدما في مسارها الحالي لتخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة ثم 90 في المائة بعد ذلك.

ومع ذلك، لا يعد منع إيران من تخصيب اليورانيوم بنسبة تتجاوز 5 في المائة «حلا» في حد ذاته لتهديدها النووي، كما لم يكن اقتراح ريغان لغورباتشوف هو الحل أثناء الحرب الباردة. ولكن الأمر بالنسبة لريغان كان يتلخص في سؤال مهم، وهو: هل سنكون أفضل حالا في ظل وجود جدار برلين أو بدونه؟

وتعد إيران في الوقت الحالي هي أكثر أعضاء الأمم المتحدة تعرضا للعقوبات، بل وكانت هدفا لخمسة قرارات من مجلس الأمن منذ عام 2006 تطالبها بوقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم. وقامت الولايات المتحدة وأوروبا بفرض عقوبات اقتصادية شديدة تمنع الشركات من التعامل مع الشركات الإيرانية وتحد من وصول إيران إلى الأسواق المالية.

ومع ذلك، لا تحتاج إيران إلى إذن من الأمم المتحدة، أو، في هذه المسألة تحديدا، من الولايات المتحدة حتى تستطيع تطوير برنامجها النووي داخل حدودها. ولن تنجح العقوبات الحالية أو المستقبلية في منع إيران من التقدم بثبات نحو امتلاك أسلحة نووية.

وحتى الآن، ما زال أوباما يتبع نفس السياسة التي كانت تتبعها إدارة بوش تجاه إيران، ولكن مع وجود إضافة واحدة وهي: وجود عرض منذ وصوله للرئاسة بالبدء في مفاوضات بين الطرفين. ومع ذلك، لم تكن المفاوضات ممكنة بسبب الانقسامات الحادة الموجودة داخل إيران والتي تفاقمت بعد انتخابات يونيو 2009 التي قامت فيها القوى الحاكمة في إيران (المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وأحمدي نجاد والحرس الثوري) بتزوير الانتخابات الرئاسية ثم اتجهوا لقمع الاحتجاجات والحركة الخضراء. وخلال العامين الماضيين، قامت هذه القوى بإحكام السيطرة على المجتمع الإيراني.

في الواقع، يجب استغلال اقتراح أحمدي نجاد لوقف جميع عمليات تخصيب اليورانيوم بنسبة أكثر من 5 في المائة، وبدون شروط مسبقة. وعلى الرغم من أن الخلافات بين أحمدي نجاد والمرشد الأعلى قد أصبحت واضحة للغاية، فإنه يتعين على الولايات المتحدة أن تولي اهتماما بالاقتراح الذي قدمه الرئيس الإيراني.

وسوف تستخدم إيران المفاوضات لتخفيف العقوبات المفروضة عليها أو التخلص منها نهائيا. وإذا ما تم التوصل إلى اتفاق، فسيكون من الصعوبة بمكان حشد التأييد الدولي لفرض مزيد من العقوبات على إيران. ويمكن أن ينطوي الاتفاق الذي يقضي بتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة على درجة من قبول استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بنسبة 5 في المائة.

وبعد التعرف على كل تلك السلبيات، يبقى السؤال هو: هل ستكون الولايات المتحدة أفضل حالا إذا ما قامت إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة أم بدون هذا التخصيب؟ وخلاصة القول، أنه يتعين على الرئيس أوباما أن يتحرك الآن ليضع اقتراح أحمدي نجاد موضع الاختبار.

* مدير مركز «بيلفر»

للعلوم والشؤون الدولية

في كلية كيندي للعلوم الحكومية بجامعة هارفارد.

* خدمة «واشنطن بوست»