مصر.. الخطر الكبير

TT

في العقود التي مضت كانت محال الألعاب في العالم العربي تبيع «بدلة العسكري» للأطفال مرصعة بالأوسمة والنياشين، وكان الباعة يطلقون عليها «بدلة جمال» (نسبة إلى جمال عبد الناصر) أو بدلة الضباط، فكانت الصورة الذهنية تقضي للترويج بأن حكم العسكر هو المشهد الجميل الذي يستحق الإشادة والاحتفال، خصوصا بعدما كان إعلام الدولة العربية، المحكومة من الجيوش والعسكر، يطبل ويزمر ويغني لأنظمته، حتى كشفت الأيام حقيقة هذه الأنظمة بعد الخراب الهائل الذي خلفته. واليوم في الدولة العربية الكبرى، مصر، يتابع العالم العربي، بخوف وقلق، تداعيات ما يحصل فيها، خصوصا في ظل تطور المشهد الطائفي بين المسلمين والأقباط، وتحول الاحتجاجات القبطية إلى مواجهات مع القوات العسكرية وسقوط أعداد غير بسيطة من القتلى والجرحى بشكل حزين ومرعب في آن واحد.

المؤسسة العسكرية، التي كانت في ذهنية الناس هي صمام الأمان والضامن الوحيد لنجاح الثورة وإتمام انتقالها إلى المرحلة الديمقراطية بسهولة وفعالية وجدارة، تحولت اليوم، في أذهان أعداد متزايدة من الناس، إلى سلطة غير واضحة الملابس، تتحول بالتدريج إلى سلطة مستبدة ومتسلطة؛ فالمجلس العسكري هو السلطة الحاكمة في مصر اليوم، ومن خلاله توجه مؤسسة رئاسة الوزراء التي تدير البلاد بشكل تنفيذي، وطبعا وكما يبدو أن أداء مجلس الوزراء للآن يبدو ضعيفا ومهتزا وسيئا لا يبعث على الارتياح ولا الطمأنينة، خصوصا من خلال التعاطي مع أهم ملفين وأخطر مسألتين تواجهان مصر اليوم: الانفلات الأمني والفتنة الطائفية.

الانفلات الأمني بحاجة لفعالية التعاطي الفوري مع الأشقياء والبلطجية وكل الخارجين عن الأمن بشكل رادع وفوري، وهو حراك حتما سيلقى التجاوب الإيجابي من قاعدة عريضة من الناس؛ لأنه بات مطلبهم بشكل واضح وصريح.. أما بالنسبة للمسألة الثانية، وهي الأخطر، فالناس في مصر في حيرة شديدة من تردد المجلس العسكري في إصدار قانون دور العبادة، الذي سينظم العلاقة بين الدولة وبناة المساجد والكنائس؛ بحيث لا يحصل أي تعدٍّ أو تجاوز أو مخالفة من أحد وتكون نتائجه كما يحصل في أسوان اليوم وكما حصل من قبل ذلك في إمبابة بالقاهرة وفي الحالتين كانت النتائج كارثية.

هذه السيناريوهات والتصورات كلها عن استمرار المجلس العسكري في الحكم وإطالة مدى وجوده لمدة لا تقل عن 24 شهرا قبل إجراء أي انتخابات ختامية ستكرس بالتالي وجود العسكر في الحكم وإبقاء «صورة» لإدارة البلاد، فلا تغيير وزاري تم ولا عقوبات حسمت ولا تعديلات في السياسات تم إجراؤها. مصر دخلت في منعطف اقتصادي خطير جدا بسبب تداعي المداخيل إلى مستويات دنيا غير مسبوقة، وزيادة معدلات البطالة، والهبوط الشديد في مستويات النقد الأجنبي الاحتياطي، مما سيدخلها إلى مرحلة دقيقة من العنف والفوضى التي لن يكون لها حل إلا بتطبيق الأنظمة العرفية التي تفوق في قسوتها وحدَّتها قوانين وأنظمة الطوارئ التي لا يتوقف عن الشكوى منها وبسببها المواطن المصري بشكل كبير.

المجلس العسكري أصبح جزءا من المشكلة التي كان من المفروض أن يكون حلا لها، وبإطالة مدى المشكلة من الناحيتين الشكلية والوقتية ستتفاقم المشاكل، ويكون حلها بالتالي أشبه بالمهمة المستحيلة. دخلت نظريات المؤامرة بقوة على الخط لمحاولة فهم من المستفيد وكيفية الاستفادة، لكن الواضح أن الخاسر الأكبر في استمرار الوضع على ما هو عليه مصر، كبلد وكقيمة في العالم العربي.

[email protected]