ازرعوا فوق قبري زهرة (غلاديولا)

TT

أعانني وأعانكم الله على هذا الموضوع غير الشيق الذي سوف أخوض فيه اليوم إلى (الركب)، بل وإلى أكثر من الركب - أي إلى (القبر) - أبعدني الله عنه إلى أطول مسافة زمنية ممكنة.

صحيح أن (كل من عليها فان)، ولكن لا أدري ماذا يقصد ذلك الشاعر (المهبول) عندما قال:

وإذا لم يكن من الموت بد

فمن العار أن تموت جبانا

وأرد عليه بلسان الكثير من الناس الذين هم على شاكلتي قائلا: عار عار، وجبان جبان ألف ألف مرة، ولا مرة واحدة من (الله يرحمه).

والآن أدخل في (القبر) - أقصد أدخل في الموضوع قائلا:

يحكى أن أحد السلاطين قد حضرته الوفاة، فاستدعى قائد جيوشه يوصيه بثلاث وصايا، وكانت على النحو التالي قائلا له:

الوصية الأولى: أن لا يحمل نعشي عند الدفن إلا أطبائي ولا أحد غيرهم.

الوصية الثانية: أن ينثر في طريقي من مكان موتي حتى المقبرة قطع الذهب والفضة وأحجاري الكريمة التي جمعتها طيلة حياتي.

الوصية الأخيرة: عندما ترفعونني في النعش أخرجوا يدي من الكفن وابسطوهما خارجه.

حين فرغ السلطان من وصيته، قام القائد بتقبيل يديه وضمهما إلى صدره، ثم قال: ستكون وصاياك الثلاث أمانة للتنفيذ من دون أي إخلال بها، فهلا أخبرتني يا سيدي عن المغزى من هذه الأمنيات الثلاث؟

أخذ السلطان نفسا عميقا وأجاب: أريد أن أعطي العالم درسا لم أفقهه إلا الآن:

أما الوصية الأولى: فأردت أن يعرف الناس أن الموت إذا حضر، لم ينفع في رده حتى الأطباء الذين نهرع إليهم إذا أصابنا أي مكروه، وأن الصحة والعمر نعمتان لا يمنحهما أحد من البشر.

وأما الوصية الثانية: أن يعلم الناس أن أي وقت قضيناه في جمع المال، ليس إلا هباء منثورا، وأننا لن نأخذ معنا حتى فتات الذهب.

وأما الوصية الثالثة: فليعلم الناس أننا قدمنا إلى هذه الدنيا فارغي الأيدي وسنخرج منها كذلك.

الواقع أنني لم أتأثر كثيرا بوصايا ذلك السلطان، لأنها بالأصل لم تدخل مزاجي، كما أنها لا تنطبق بتاتا على شخصيتي (المنفلتة)، لهذا أعجبت بفكرة شركة سويدية، تتلخص بجملة واقعية تقول: من التراب وإلى التراب نعود، وذلك بترويج لمراسم دفن (صديقة للبيئة) من خلال تحويل جثة الميت إلى سماد طبيعي، فأفضل من ترك الجثة تتعفن في التراب، أو إحراقها بطريقة بشعة، أن نستند إلى طريقة سحب المياه من الجسم وهي التي تشكل ما نسبته (70%) من جسم الإنسان، ثم تجمد الجثة في النيتروجين السائل وتحول إلى مسحوق عضوي دقيق يوضع في علبة مصنوعة من نشا الذرة تتحلل عضويا.

وتدفن الرفات في قبر غير عميق، وتتحول إلى سماد خلال ما بين 6 إلى 12 أسبوعا.

واقترحت الشركة زرع شجرة إلى جانب القبر لتستفيد من السماد، وأشارت إلى أنه سيكون من الجميل أن يعرف الأقارب أين ذهب جسم حبيبهم، كلما شاهدوا تلك الشجرة.

لا أكذب عليكم أن الفكرة راقتني وأعجبتني إلى درجة أنني بدأت بمراسلة تلك الشركة.

وأتمنى، مجرد أمنية، أن تزرع فوق (مسحوقي) زهرة (غلاديولا).

[email protected]