لا ترخصوا للحرائق

TT

هناك أقوال كثيرة من نوع أن الثورة ستترك مفاعيلها لسنوات آتية، وأن كل الثورات لم تعثر سريعا على مينائها الآمن. وقد يكون هذا صحيحا. لكن من الآن وإلى أن تعثر الثورة على نفسها ومينائها، ربما يكون جزء كبير من مصر قد احترق، وجزء هائل من رصيدها قد فقد، ومقادير ضخمة من أموالها واحتياطها قد ذرت في الرماد.

الذي يجري في مصر ليس ثورة، أو لم يعد كذلك. يدلي المشير طنطاوي بإفادته أمام القضاء فتقوم مظاهرة تطالب بأن يشهد كما تريد هي، لا كما يفرض الضمير والصدق، مع أو ضد. وتصدر صحيفة في حجم وموقع وتاريخ «الأهرام» قبل أيام، وفيها خبر مهم يقول إنه تمت «مصادرة» 150 جنيها من الدكتور أحمد فتحي سرور دستها في جيبه ابنته خلال زيارته. الله؟ ما لكم يا إخوان؟ هل تهان الثورة العظمى إذا تمكن رجل غير مدان من تدخين بضع سجائر؟ و«ضبط» 150 جنيها، أي نحو 20 دولارا، يصبح انتصارا يروى في «الأهرام» التي كان يقرأها قادة العالم لمعرفة ماذا في مصر من سياسات عليا!

كان مراسل «الجزيرة» يغطي حرائق شبرا مساء الأحد قائلا إنها «تداعيات النظام السابق!».. يا أستاذ، لا تبرر حريق مصر. هذه مصر تحترق. والسبب أن الدولة سلامتك. وهناك مليون ميدان تحرير كل واحد منها يريد دولته. والمجلس العسكري صار شرطة إطفاء لا يدري بالحريق إلا بعد انتشاره؛ لأنه يخاف الاقتراب لكي لا يتهم بإشعاله.

عقد في بكركي، بطريركية الموارنة، قبل أسابيع، اجتماع بين مندوب عن حزب الله والبطريرك بشارة الراعي، حول خلاف عقاري في قرية تدعى لاسا، سكانها من الشيعة والموارنة. أنا شخصيا شعرت بالفزع؛ فالنزاع عقاري لا طائفي، وبطريركية الموارنة ليست دائرة عقارية بل مرجع وطني، والقضية تحل فقط باسم القانون وتحت ظل الدولة.

طبعا لم يحل الاجتماع في بكركي شيئا؛ فالذين يخالفون شروط البناء لا يهمهم أمر الدولة حتى لو وجدت، فلماذا سوف يهمهم أمر دار دينية لا سلطة مدنية لها على الإطلاق، حتى على أبناء رعيتها؟ ما حدث ويحدث في مصر هو المزيد من تغييب الدولة باسم الثورة. وإذا استمر هذا الارتخاء سوف نصل إلى يوم لا دولة فيه ولا ثورة، بل حالة مثل الحالة اللبنانية؛ حيث يعلن كل فريق قانونه في انتظار أن يعلن دولته.