انفصام في التشيع

TT

أمام التغلغل الإيراني في المنطقة العربية واستعماله المذهب كعتلة لهذا التغلغل، على غرار ما فعلت الإمبريالية الغربية في استخدام المسيحية كأداة لها، استفاق الآن بعض مفكري الشيعة العرب لهذا الخطر وسخروا أقلامهم لمعالجته. من هذه الفئة الكاتب والمفكر نبيل الحيدري، الذي جعل التمييز بين التشيع العلوي (العربي أساسا) والتشيع الصفوي (الإيراني أساسا) موضوعا لدراسته في جامعة لندن، يظهر أن إقامته في إيران للدراسة الدينية في قم قد أثرت على توجهه، يقول إنه شعر بغضب وعصبية تجاه نظرة الاحتقار والكره ضد العرب بين الناس هناك، عانى منها كشيعي عراقي من أسرة عربية أصيلة، واستاء بصورة خاصة من الشتائم والإهانات الفجة التي كان فقهاؤهم يوجهونها ضد الخلفاء، ولا سيما الخلفاء الراشدين الثلاثة. يبدو أن مشاعره الشخصية هذه قد جعلته يكرس وقته الآن إلى حد الهوس في لندن لفضح هذه الإساءات والكشف عما يجري من استغلال في ظلها، وقد جرت بينه وبين مكتب المرجع الشيعي علي السيستاني مناوشات قلمية في الآونة الأخيرة.

إنه يواصل اجتهادات جمهور من الباحثين كمحمد حسين فضل الله ومحسن الأمين وعلي شريعتي، صاحب كتاب «التشيع العلوي والتشيع الصفوي». وقد تعرض للموضوع ذاته كتاب بارزون من أبناء الشيعة في العراق، كعلي الوردي وجواد علي. خلاصة الموضوع أن التشيع بدأ في العراق كرد فعل لمقتل الإمام الحسين وما حل بآل البيت من مظالم، ولكن القوم حافظوا على تمسكهم بأسس الشريعة السائدة وحب الخلفاء الراشدين واحترامهم، وتقبلهم للحكم القائم دون أي سعي ثوري للانقضاض عليه، كما فعل الخوارج مثلا. وبالنسبة لإيران، بقيت متمسكة بالمذهب السني حتى القرن السادس عشر الميلادي، حين ظهرت الميول الإمبراطورية للشاه إسماعيل الصفوي عندما تولى الحكم عام 1501م، وتصادمت ميوله مع الميول الإمبراطورية لآل عثمان. وفي إطار هذا النزاع الدموي اقتضى تبني مذهب معاكس لحنفية العثمانيين والعرب. ففرض المذهب الشيعي على الشعب بالسيف بعد أن أعطاه صبغة عدوانية متحاملة، من عناصرها شتم الخلفاء وكل ما يعتز به العرب في تاريخهم، فتشوه المذهب الجعفري واصطبغ بمتطلبات السياسة التوسعية، وتضمن هذا الاتجاه الكثير من الممارسات المتطرفة والمتشنجة والافتراءات المضللة، بل والمخزية في كثير من الحالات.

استمعت لنبيل الحيدري في مناقشاته التلفزيونية في شهر رمضان المبارك، فسمعته يؤكد أن هذا التشيع الصفوي الإيراني البعيد عن التشيع العربي يشكل خطرا جسيما على الإسلام، ويسفر عن إشاعة الكره والفرقة بين المسلمين بدلا من المحبة والوحدة، ويجعلهم يتنكرون لتاريخهم وحضارتهم بدلا من الاعتزاز بمنجزاتهم وفتوحاتهم وبطولاتهم التاريخية. وهو يحمل المرجعيات الصفوية المسؤولية عن إشاعة الكثير من الخرافات والممارسات المقيتة والطقوس الفجة، الخارجة عن أطر الإسلام المتسامحة والعقلانية والبسيطة في أسسها التجريدية.