الاختبار التونسي

TT

لن يسع بضع مئات من المتشددين الإسلاميين ممن هاجموا قناة «نسمة» التلفزيونية التونسية أن يبدلوا وجهة المسار الحاصل اليوم في هذا البلد.. هؤلاء المحتجون «روعهم» عرض فيلم إيراني مبدع ينتقد الفساد وسطوة الحكم الديني هو «بيرسيبوليس»، فهاجموا مبنى المحطة محاولين حرقه.

الأمر أثار قلقا واسعا في تونس وخارجها، وفي الكثير من الإعلام والدوائر التي ترصد المتغيرات التونسية بصفتها مؤشرا على ما قد ينتظر مجتمعات عربية أخرى، سواء تلك التي نجحت ثوراتها أو تلك التي لا تزال تعاني في سبيل حريتها.

قد لا يكون ما صرح به صحافيون من القناة حين وصفوا الاعتداء الذي طالهم بوصفه محاولة فرض ديكتاتورية جديدة في البلاد أمرا بعيدا عن الصواب، لكن ما يبدو جليا أيضا أنه ليس متاحا أمام الإسلاميين، خصوصا السلفيين منهم، تصدر الحياة العامة. فالمشهد التونسي العام يوحي بأن إحراز هذه التيارات ما تصبو إليه من سلطة وموقع سياسي واجتماعي أمر ليس من السهل تحقيقه. يكفي رصد يوميات ومسار الثورة للمس كم كان الحضور الإسلامي باهتا إلى حد الغياب التام، ويبدو أن حراك الأشهر الماضية لن يبدل في هذه الحقيقة على الرغم من كل الكلام الكثير الذي يبشر بأن الإسلاميين مقبلون.

انطلاق ربيع ثورات العرب جرى في تونس.. هذه الحقيقة لم تحدث مصادفة. وليس قدرا فقط أن تكون تونس أول من بدأ يواجه تحديات التحول نحو الديمقراطية التي يشكل الإسلاميون على اختلاف توجهاتهم عنوانها الأول من دون أن يكون الوحيد طبعا.

صحيح أن قلق شرائح واسعة من العلمانيين والليبراليين من خطر إسلامي ما هو أمر مشروع وله ما يبرره ونحن نرى ملامحه في أكثر من مجتمع وبلد، لكن هذا احتمال لم نختبر صحته بعدُ وهذا ما سنفعله في المقبل من الأيام.

في تونس تكررت الاعتداءات ضد نوادٍ ليلية وضد منتديات ثقافية وفنية، إضافة إلى حملات إلكترونية كثيرة من قبل جماعات إسلامية تحتج على ما يراه هؤلاء خروجا عما يؤمنون به. وفي قضية الهجوم على المحطة التلفزيونية كان لافتا اتهام سلفيين للقناة بأن عرضها لفيلم «بيرسيبوليس» يهدف إلى استفزاز مشاعرهم ودفعهم نحو العنف وتشويه صورتهم أمام الرأي العام قبل أيام من موعد الانتخابات.

وكأن هذه الجماعات تعلن صراحة كم هو سهل استدراجها نحو العنف، ولنا في ذلك أكثر من مثل ودليل.

لقد مثلت تونس اختبار الثورات الأول، وذلك بسبب تقدم المؤشرات فيها، مؤشرات التعليم وحقوق المرأة والنمو الاقتصادي. اليوم تشكل تونس اختبار ما بعد الثورات لجهة الحريات العامة والخاصة التي خضعت لأكثر من محطة صعبة، سواء من قبل بقايا السلطة وهيكلها أو من قبل الجماعات الإسلامية.

الحريات العامة نعني بها الإعلام على اختلافه، والحريات الخاصة نعني بها قانون الأحوال الشخصية. هذان الأمران هما مادتا انتخابات الهيئة التأسيسية بعد أقل من أسبوعين.

تونس كانت شرارة الأمل بفضاء عربي حر وفاعل.. علَّ الأيام المقبلة تثبت لنا ذلك.