لا تنس إشارة المنع

TT

يغيب عن القارئ أن الكاتب قارئ أولا. ولا أدري أيهما أكثر متعة وأوفر حظا في بعض الأحيان. وفي بعضها أتمنى ألا أكون قارئا ولا كاتبا. لكن المتعة في هذه الصنعة أوسع وأعم والحمد لله. وأعتقد أنني أقرأ 90% من كتّاب «الشرق الأوسط». ولا أستطيع أن أحدد العشرة في المائة الباقية ولا سبب الامتناع. وسوف يكون في الغالب غير شخصي ولا علاقة له بالذوق، وبالطاقة على الاحتمال.

عندما أقرأ علي سالم صباح الأحد، لا أعرف لماذا أقرأه. كل ما أعرفه أنني أحب أن يبقى المقال بلا نهاية. وألا يرن هاتفي وأنا أقرأ. ولا أجد في مقالات علي فكرا سياسيا لا أجده في مكان آخر، أو معلومات نادرة، أو شجاعة أفتقدها. ولكنني أجد عنده عرضا مسرحيا يذكرني بالريحاني. وأتخيله مثل عادل خيري تحت نافذة زينات صدقي. وأعتذر عن أن جميع هذه الأسماء من أيام الأسود والأبيض، لكن يومها كان المسرح لمعة وإشراقا ومخيلة عبقرية مثل الواقع.

لا يستطيع علي سالم الخروج من صنعته، ومهارته، كسيناريست، ولا من طبعه كمصري يحول الظواهر الاجتماعية إلى نكتة. ويروي الخطوب السياسية فيسليك، ويشهر سيف عنترة يمينا وشمالا، فيصيب الجميع ولا يجرح أحدا. مقال الأحد الماضي الذي حشر فيه جميع مصر الحالية في كافيتريا تشبه كافيتريا شبرد أو الهيلتون أيام بتاع زمان.

هل نحن شخصيات مركبة؟ مرة أمتدح علي سالم ومرة أنتقد موقفه السياسي؟ أجل، نحن كذلك. وربما سوف أقرأ علي سالم كثيرا باختلاف شديد. لكنني واثق بأنني سأقرأه دائما بإعجاب، وسوف أغبطه على هذا التميز في خلط المسرح، أو «الفودفيل»، بالمقال. وعلى الوقوف في النافذة من دون التأثر ببرودة أو سخونة الريح. وفي لوحة الأحد الماضي، لا ينتبه السيناريست إلى أن التدخين لم يعد مألوفا ولا مقبولا في «الكافيتريات»، مثلما كان مداخن ومشاحر أيام كامل الشناوي وسعيد فريحة وعلي أمين. وعندما سألت الزميل العزيز رئيس التحرير: أي نوع من الناس هو علي سالم؟ قال من النوع الذي لا تسقط السيجارة من أصابعه. أي فئة سعيد فريحة، الذي كان أيضا يخلط المسرح، وصفا وحوارا، بالكتابة. وأتمنى لكل مدخن أن يشفى من هذا الإدمان.

كان جيلنا يعتقد أن السيجارة ملازمة للإلهام والعبقرية إلى أن جاء من قال لنا الحقيقة: مرض معلن وضرر أكيد. وقد توقفت منذ ثلاثة عقود عن إحراق مائة لفافة في اليوم. ولست أفتقدها بل ألعن جميع أيام وسنوات التدخين. وفي الأعياد، أتمنى للذين أحبهم أن يتوقفوا عن صناعة الفحم والرماد. وتحية إلى الزميل علي سالم وإلى جميع الزملاء المبدعين والكدودين الذين نتعلم منهم باستمرار. وأرجو في مقالاته التالية ألا ينسى إشارة منع التدخين.