الأسد وتهديداته.. السعيد من اتعظ بغيره!!

TT

ربما أن بعض الذين عاشوا تلك الفترة من بدايات ثمانينات القرن الماضي، 1983، ما زالوا يذكرون أن اغتيال المعارض الفلبيني العنيد بنينو أكينو، الذي كان عائدا من الخارج إثر لجوء استمر لأعوام طويلة، بعد نزوله من الطائرة مباشرة في مطار مانيلا كان بداية نهاية حكم فرديناند ماركوس الذي ما لبث أن حمل حقائبه وولى هاربا وبقي يتنقل بين دول العالم ورفضت حتى الولايات المتحدة، مع أنه كان أكبر عملائها في تلك المنطقة، استقباله وتأمين علاجه في أحد مستشفياتها لأن مرض السرطان كان قد بدأ يدمر جسده.

قبل أيام شاهد العالم كله، على شاشات الفضائيات العربية والعالمية، جسد المعارض السوري (الكردي) مشعل تمو ممددا في منزل كان يختبئ فيه في مدينة القامشلي والدم ينزف من زاوية فمه، والمؤكد أن بعض الذين شاهدوا ذلك المنظر المرعب، من الذين عاشوا أحداث بدايات ثمانينات القرن الماضي، قد رأوا في مخيلاتهم فورا صورة الرئيس السوري بشار الأسد وهو يحمل حقائبه وينتقل من مطار إلى مطار آخر وأبواب الدول كلها تغلق في وجهه، كما حدث مع فرديناند ماركوس، حتى بما في ذلك روسيا ميدفيديف وبوتين التي نصبت نفسها ومعها الصين محامي الشيطان وبقيت تعطل أي قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي لمساندة الثورة الشعبية السورية. وأيضا فإن من تابع تهديدات كبار المسؤولين السوريين وعنترياتهم، وآخرها وليس أخيرها قول مفتي الجمهورية السورية أحمد بدر الدين حسون: «مع انطلاقة أول قذيفة على سوريا أو لبنان فإن كل أبنائهما وبناتهما سينطلقون ليكونوا استشهاديين على أرض أوروبا وفلسطين.. أقولها لأوروبا وأقولها لأميركا سنعد استشهاديين هم الآن عندكم إن قصفتم سوريا أو قصفتم لبنان»، لا بد أن يتذكر تهديدات صدام حسين وتهديدات القذافي قبل أن ينتهيا تلك النهاية المأساوية التي ستكون نهاية بشار الأسد لا محالة إن هو بقي يسبح ضد التيار ويتشبث بالحكم ويرفض الاستجابة لمطالب شعبه.

كان النظام السوري قد سرب معلومات جرى نفيها لاحقا تتحدث عن أن بشار الأسد قد أرسل إلى عمان أحد كبار معاونيه الأمنيين آصف شوكت بتهديد بأن الصواريخ السورية لن توفر أي مدينة من المدن الأردنية إذا بدر عن الأردن أي تعاطف مع المعارضة وإذا قدم أي تسهيلات لأي عمل يستهدف سوريا، وكذلك فإن المفترض أن الكل يعرف أن دمشق هي التي تقف وراء النبأ الذي بثته وكالة أنباء «فارس» الإيرانية ونسبته إلى «مسؤول عربي كبير» والذي جاء فيه أن بشار الأسد أبلغ وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في زيارته الأخيرة لدمشق: «بأن قوى عظمى كبيرة تدرك كل الإدراك أنه مع أول صاروخ يسقط فوق دمشق لأي سبب كان فإنه بعد ست ساعات من سقوط هذا الصاروخ سيشتعل الشرق الأوسط وستسقط أنظمته».

وحسب وكالة أنباء «فارس»، نقلا عن وكالة غير معروفة اسمها «النخيل»، فإن الرئيس بشار الأسد قد قال لوزير الخارجية التركي خلال لقائه به في هذه الزيارة الآنفة الذكر: «أريدك أن تنقل هذه الرسالة بحرفيتها.. أنه إذا حصل أي جنون تجاه دمشق فأنا لا أحتاج إلى أكثر من ست ساعات لنقل مئات الصواريخ إلى هضاب الجولان لإطلاقها على تل أبيب وفي الوقت نفسه فإننا سنطلب من حزب الله اللبناني فتح قوة نارية على إسرائيل لا تتوقعها كل أجهزة الاستخبارات.. كل هذا في الساعات الثلاث الأولى من الساعات الست، أما في الساعات الثلاث الأخرى فإن إيران ستتولى ضرب بوارج أميركية ضخمة راسية في مياه الخليج فيما سيتحرك الشيعة الخليجيون لضرب أهداف غربية كبرى وقتل أميركيين وأوروبيين حول العالم وهم، أي الشيعة، سيتحولون إلى مجموعات فدائية انتحارية وسيخطفون طائرات شرق أوسطية».

كان على أركان النظام السوري قبل أن يلجأوا إلى كل هذا التهديد والوعيد أن يتذكروا أن صدام حسين كان قد هدد الأميركيين والدول المتحالفة معهم عشية غزو عام 2003 الذي أسقط نظامه بأن مصالحهم في العالم كله ستتحول إلى أهداف لبؤر نائمة ستتحرك مع أول طلقة تطلق على العراق، ولكن عندما أخذت القوات الغازية تجتاح العراق فإن أي شيء لم يحدث، باستثناء عملية تفجير صغيرة وقعت في أحد شوارع «أثينا» الخلفية لم تسفر عن أية خسائر تذكر، لا بالنسبة للمصالح الأميركية ولا بالنسبة للمصالح اليونانية.

كل الذين ذهبوا إلى العراق وهزوا قبضاتهم وهددوا وتوعدوا بعدما قبضوا «كوبونات» النفط لم يظهر منهم أي إنسان عندما وقعت الواقعة، وهكذا فإن صدام حسين الذي كان قد صدَّق كل ما كان يسمعه من هؤلاء قد انتهى لأن تم القبض عليه في تلك الحفرة الحقيرة التي قبض عليه الأميركيون فيها وهو في تلك الحالة المأساوية التي شاهدها العراقيون وشاهدها العالم بأسره.

وأيضا فإنه على أركان النظام السوري قبل أن يلجأوا إلى كل هذا التهويل وإلى كل هذه «الجعجعات» الفارغة أن يتذكروا أن «الأخ قائد الثورة» معمر القذافي كان قد توعد الثائرين عليه وكان توعد دول حلف شمال الأطلسي بأن معه «الملايين» وأنه ملك ملوك أفريقيا، وأن الشعوب الأفريقية كلها ستزحف إلى جماهيريته للقتال دفاعا عنه وعنها، وأن شعوب أميركا اللاتينية ومعها كل «ثوار العالم» سوف تحول الكرة الأرضية إلى كتلة نارية ملتهبة وسوف تحرق الأرض من تحت أقدام الأميركيين وتدمر مصالحهم في كل مكان.

لكن عندما بدأت الحقائق تتجسد على أرض ليبيا وجد القذافي نفسه وحيدا ووجد أن المرتزقة الأفارقة المساكين الذين تم استقدامهم من الدول الأفريقية المجاورة قد سارعوا إلى تسليم أنفسهم للثائرين الزاحفين على المدن الليبية، وأنه حتى كبار من تبقى من مساعديه قد تخلوا عنه وفر بعضهم إلى الخارج، بينما سارع بعضهم الآخر إلى الذهاب هرولة إلى رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبد الجليل لقراءة سورة التوبة أمامه وإعلان الولاء للعهد الجديد.

ولهذا فإنه على الرئيس بشار الأسد أن يقرأ التاريخ القريب، الذي لم يجف الحبر الذي كتب به بعد، قراءة جيدة، وأن عليه ألا يصدق كل ما يسمعه من مساعديه ومن الذين ما زالوا يعتقدون أن كل هذا الذي يجري في سوريا هو مجرد كبوة عابرة، وكذلك فإن عليه أن يدرك أن الدول مصالح، وأن إيران ستتخلى عنه وعن نظامه إن هي استطاعت تأمين بعض مصالحها في المنطقة، وهذا ينطبق أيضا على روسيا وعلى الصين وعلى نوري المالكي الذي تخلى عن اتهاماته السابقة لدمشق بأنها وراء كل الإرهاب والعنف الذي ضرب العراق وانحاز بتوجيهات وأوامر الولي الفقيه السيد علي خامنئي إلى الحكومة السورية.

يجب أن يدرك الرئيس بشار الأسد، حتى لا ينتهي إلى المصير الذي انتهى إليه صدام حسين والذي انتهى إليه معمر القذافي، أنه سيجد نفسه وحيدا ذات يوم قريب إن هو بقي يتعلق بحبال الهواء ويصر على عدم الاعتراف بالواقع، وإن هو بقي يعيش أوهام أن السماء ستنطبق على الأرض إن اقتربت الأخطار منه ومن نظامه، ولهذا فإن الأفضل له أن يستجيب لرغبات شعبه وأن يغادر طوعا قبل أن يحصل معه ما حصل مع فرديناند ماركوس وشاه إيران ومع صاحب شعار: «يا محلى النصر بعون الله»، ومع الأخ قائد الثورة ملك ملوك أفريقيا ما غيره!!