أطراف تخيفها دولة فلسطين

TT

استطاع العرب إحراج إسرائيل مرتين خلال عقد من الزمان؛ المرة الأولى عندما أجمعوا في قمة بيروت 2002 على المبادرة السعودية، فخرج العرب من القاعة بمشروع سياسي لإحلال السلام أربك الحكومة الإسرائيلية. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها أرييل شارون قد راهن على أن المبادرة السعودية لن يجمع العرب عليها أبدا، ولكنه خسر الرهان، حيث حصل الإجماع الفريد فولدت مبادرة السلام العربية. إثر هذا التوافق استشاط شارون حنقا، وزادت عربدته في الأراضي الفلسطينية قتلا وتنكيلا، فظهر أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي بأنه مجرم حرب وليس رجل سياسة، فأحرج شريحة واسعة من الإسرائيليين الذين تعاطفوا مع الشعب الفلسطيني ومع الرئيس الراحل ياسر عرفات المحاصر وقتها في مقر إقامته في رام الله، حتى إن بعض الناشطين حبسوا أنفسهم معه تضامنا مع موقفه ضد حكومتهم، وسارع حزب العمل الإسرائيلي لإعلان موافقته على المبادرة العربية، وأعلن مجلس الأمن والسلام الإسرائيلي تبنيه للمبادرة العربية كأساس للتسوية.

أما المرة الثانية التي كان العرب فيها الأكثر تحكما وحكمة في إدارة شأنهم سياسيا فكانت من خلال دعمهم تقديم السلطة الفلسطينية طلب الاعتراف بدولة فلسطين إلى الأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وكانت كلمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التاريخية في الجمعية العامة ناضجة وعادلة أدانت الإسرائيليين بموضوعية فلم يجرؤ وفدهم الرسمي على الخروج من القاعة احتجاجا.

من الواضح أنه في غياب زعامة إسرائيلية ملهمة، ومؤمنة بانعكاس التسوية السلمية على أمن إسرائيل، سيظل الإسرائيليون محرومين من الاستقرار الأمني، ومعزولين في منطقة لديها استعداد للتطبيع الكامل معها فور تنفيذ المبادرة العربية.

صحيح أن المبادرة العربية لم تنفذ، وصحيح أن المطلب الفلسطيني باعتراف دولي مهدد بالفيتو الأميركي، ولكن هذا لا يقلل من قيمة المشروعين كونهما خطابا سلميا يحمل مطلبا سياسيا مشروعا، وهي لغة راقية في التعامل مع قضية شائكة.

أحيانا لا تكون العبرة بالنتيجة، بل بالأسلوب؛ أسلوب الطلب وأسلوب الغضب وأسلوب التعبير.

كان الفلسطينيون يرهبون حركة الملاحة الجوية بخطف الطائرات وينفذون عمليات اغتيال في مناطق كثيرة حول العالم للفت الانتباه لقضيتهم، وكان أسلوبا مستهجنا جعل من الحق الفلسطيني أمرا غير قابل للنقاش كأولوية أمام إدانة الممارسات الخاطئة، فلغة العنف مرفوضة مهما كانت الدوافع مشروعة والمقاصد نبيلة. والأسوأ أن إسرائيل كانت تسعد بمثل هذه الأعمال الترهيبية، لأنها تؤكد نظريتها أمام العالم بأن الفلسطينيين لا يجنحون للسلم، ولا يتكيفون معه، وأنها، أي إسرائيل، تعيش شقاء يوميا وحالة من عدم الاستقرار الأمني يجبرها على أن تتعامل بالقوة مع الفلسطينيين دفاعا عن نفسها.

إن وسيلة المطالبة بالحقوق المشروعة ليست فقط مسألة حساسة بل هي كل القضية.

المفارقة أن مشروعي المبادرة العربية والاعتراف الأممي بدولة فلسطين لم يربكا المتشددين الإسرائيليين فحسب، بل ظهرت أطراف أخرى شعرت بالتهديد من دولة فلسطين المعترف بها دوليا. ففي قمة بيروت 2002 حينما كان العرب مشغولين بإطلاق المبادرة العربية للسلام، نفذت حركة حماس عملية «نتانيا» وقتلت 30 إسرائيليا، توقيت خاطئ فسره أصحاب النيات الطيبة بأنه رد على القمع الإسرائيلي، وهو في الحقيقة تسجيل موقف من حماس ضد مشروع المبادرة. ثم ألهبت ميليشيا حزب الله منطقة مزارع شبعا بضرب القوات الإسرائيلية هناك. إيران ومن خلال رئيسها، آنذاك، محمد خاتمي أيدت المبادرة العربية، أما حسين شريعتمداري، المتشدد، وممثل الولي الفقيه، فاعتبرها موقفا مخزيا وجزءا من مؤامرة على القضية الفلسطينية لصالح أميركا وإسرائيل.

موقف حماس اليوم لم يتغير أمام طلب الاعتراف بدولة فلسطين، خالد مشعل بدا مترددا ومصرا على مبدأ المقاومة، ومحمود الزهار اعتبر رحلة عباس إلى نيويورك لطلب عضوية فلسطين مجرد «هراء». موقف متوقع فالميليشيات المسلحة تختنق في أجواء السلم.

أما في إيران، ففلسطين الدولة المستقلة ذات السيادة والاعتراف الدولي تمثل تهديدا لإيران، لأنها تعالج ملف القضية الذي طالما اتكأت عليه لتبرير تسليح نفسها وميليشياتها، كما سيحرمها هذا الاعتراف من غرور المواجهة مع قوى كبرى كالولايات المتحدة. وقد باح سابقا محمود أحمدي نجاد بإحدى خواطره العجيبة في حضور وزراء أوروبيين حين قال: «علينا أن نتمنى أن تعم الفوضى بأي ثمن.. لنرى عظمة الله».

* كاتبة سعودية

[email protected]