والشعراء أيضا!

TT

لا أعرف من أين تجيء الأفكار.. ولكنها تجيء.. ولا كيف يحدث أن أكتب في جلسة واحدة ألف سطر.. وفي أيام لا أكتب سطرا.

وإذا وجدتني عاجزا عن الكتابة.. فإنني لا أعصر رأسي.

وقديما سألوا الشاعر العاشق كثير: ماذا تصنع عندما يعز عليك قول الشعر؟

أجاب بأنه يطوف الحدائق ويدور حول البيوت.. وهنا «يسهل علي أرصفه ويسرع إلي أحسنه».

والشاعر الساخر الفرزدق قال: ربما أتت ساعة يكون فيها نزع الضرس أسهل من قول بيت واحد من الشعر!

وكان الشاعر العظيم المتنبي يقول إنه إذا تعذر عليه قول الشعر ترك فراشه وركب حصانه ساعة أو ساعتين فإذا عاد إلى بيته تدفق عليه الشعر!

أما الشاعر الألماني رلكه فيصف حالة نزول الشعر أو فيضان الخاطر.. بأن الشعر يشبه السحب التي تحمل قطرات الماء التي تبخرت من بلاد بعيدة.. فقامت الرياح ونقلتها إلى بلاد أخرى.. ثم جاءت الشمس فأسقطتها مطرا.. فلا أحد يعرف من أين تواتيه هذه المعاني!

ومن الممكن أن يعرف المفكر من أين جاءت هذه المعاني.. ولكن هذه هي المرحلة الثانية.. أما المرحلة الأولى فهي أن يسجل ما يجيء.. وبعد ذلك يسأل من أين جاء ولماذا جاء.

مثلا: صدر لي كتاب بعنوان «يسقط الحائط الرابع» ثم كتاب آخر بعنوان «الحائط والدموع» وكتاب ثالث بعنوان «كرسي على الشمال».

وفسرت ذلك بأن الحائط الرابع في لغة المسرح هو الحائط الوهمي الذي يفصل بين الممثلين والمتفرجين.. فالممثلون يتحركون على المسرح في «حياتهم الخاصة» وكأن أحدا من الناس لا يتفرج عليهم.. أي كأن المتفرجين يتلصصون عليهم.. وليس مفروضا أن يشعر الممثلون بذلك.. وليس من الضروري أن يجعلهم المتفرجون يشعرون بذلك.. إذن فهذا الحائط وهمي.. أو هذا الحائط هو أكذوبة اتفق عليها المؤلف والممثل والمخرج والمشاهد.. هذه الأكذوبة قد ارتضيناها جميعا.

ولكن «مسرح العبث» الذي ساد باريس في الستينات أسقط هذا الحائط الوهمي.. وجعل الممثلين يجلسون في الصفوف الأولى من المسرح.. أي أن المسرح جعل المتفرج موجودا في عيون وآذان وخيال الممثل والمؤلف والمخرج.. فلم يعد هناك حائط وهمي. ولذلك كثيرا ما دار الحوار بين الممثلين والمتفرجين.