الفرقة 77

TT

لم يكن غريبا أن يحب القرية الكبيرة التي ولد في جوارها. جميع الناس والسياسيين أحبوا قراهم. لم يكن غريبا أن يبني القرية ويطورها ويحولها إلى مدينة. كان غريبا أن يكره العاصمة والمدن الأخرى، وأن ينقل معظم قطاعات الدولة إلى سرت ومعها برلمانه المضحك. كان مجيء مصطفى عبد الجليل إلى قاعة أوغادوغو يوم الثلاثاء بداية قيامة صعبة من زمن الاختلاف الصبياني، ونهاية زمن المزاج الذي فرض على الشعب الليبي، الفرقة 77، أي الحرس النسائي، الذي يشترط في أعضائه أن يكن طويلات الشعر، سمراوات، وطويلات القامة. لذلك أطلق عليهن العالم لقب الأمازونيات.

معركة سرت كانت أهم من أن تخوضها 400 امرأة لهن سمرة معينة، إنما كان للممرضات لون أوكراني أشقر. الخيمة كانت لها كل الألوان. والصحافة كان لها لون السفر الفكري الإنساني العظيم، المعروف تحت اسم الكتاب الأخضر.

سرت، التي وردت في ملحمة الشاعر فيرجيل على أنها «الشاطئ غير المضياف»، هي ملخص حالة غير طبيعية في تاريخ الشعوب والأمم: رجل يبني قي قريته وبلدته «مقر اتحاد الولايات الأفريقية» فيما يضرب خيمته في باريس ويعلم البشر الديمقراطية من خلال أبو زيد دردرة، ويترك تعليم العمل الإنساني لابنه، سيف الإسلام، صاحب القول الإنساني الرفيع «كانوا يلعقون أحذيتنا».

لا نعرف بعد على ماذا سوف يعثرون في سرت. لكن في مبنى الفرقة 77 كانت هناك حارسة في التاسعة عشرة (لن أكرر اسمها) تبكي وتقول إن جنود الكتائب كانوا يغتصبون بنات «الحرس الشعبي». وأما هي بعدما تعرضت إلى الاغتصاب طلب إليها في أيام طرابلس الأخيرة أن تقتل ثلاثة من المعتقلين «وقد فعلت، لكي أنجو بحياتي».

كم هي الكوابيس التي سوف يعاني منها الليبيون إلى زمن طويل. كم عبث هذا الرجل بحيوات ومصائر وهناءات الناس. وصول مصطفى عبد الجليل إلى عاصمة النظرية الثالثة يعني أن ليبيا سوف تبدأ العودة، مجروحة ومحطمة، إلى الأسرة العربية والمجتمع الدولي. كان كلما أراد عنوانا سخيفا في الصحف يهدد بالانسحاب من الجامعة العربية، باعتبارها أضعف مؤسسات الكون. فإذا هذا المبنى العجوز المتهالك الذي ليس في حساب أحد، يأخذ القرار بضرب 40 عاما من الهوس والدلع ومؤسسة القذافي للعمل الإنساني وما صرفت في حروب العالم وتحريض الشعوب ومساعدة القتلة والخارجين على كل قانون. كانت سرت عنوان المزاح الطغياني والعبث الصبياني، وسوف تعود مدينة ليبية طبيعية. ولو بعد حين.