التفكير كيمياء!

TT

ليس من الضروري إذا جلست إلى الكتابة أن أجد بسهولة ما أكتبه.. وعندما تتعذر الكتابة فإنني أفضل أن أقرأ في أي موضوع.. وتمضي الساعات أستمتع بما أقرأ. أو تمضي الساعات لا أعرف بالضبط ما الذي أقرأه.. وفجأة أجدني أكتب موضوعا آخر غير الذي كان في نيتي أن أكتبه!

وقد أجلس لكي أكتب عددا من المقالات القصيرة فأجدني قد كتبت قصة لا علاقة لها بكل ما كان يدور في رأسي.. وإنما تكون فكرة هذه القصة قد راودتني عن نفسي منذ وقت طويل.. ولم أستسلم لها.. ثم إذا بي أجدني فجأة مستعدا لكتابتها كاملة!

وكما أنني لا أطيق أن أرى شيئا أمامي وأنا أكتب.. فإنني أيضا لا أستطيع أن أستمع إلى الموسيقى.. فهي تبعثر اهتمامي وتسحبني كموج البحر بعيدا عن الشاطئ!

وإذا كان لا بد من الموسيقى فليكن ذلك عندما أجلس للتفكير.. ولا أحب في هذه الحالة أن تكون أغنيات.. لأن الأغاني كلمات وخطابات وهذه الخطابات تقوم بتشريدي وجعلي طرفا في قصة حب وكراهية.. وأنا لا أريد أن أنشغل بغيري.. ولذلك فالموسيقى أفضل.. إنها تطلق حريتي.. إنها أجنحة.. إنها بالونات مملوءة بالأكسجين ترفعني بعيدا دون هدف.

وأعتقد أن التفكير «كيمياء».. أي عمليات كيميائية.. إضافة عناصر إلى أحماض إلى سوائل.. وهزها معا ليكون منها سائل جديد.. أو مادة جديدة. ولكي تنجح هذه العملية الكيميائية لا بد أن تتحقق شروط التفاعل.. وفقا لمعادلة دقيقة.. هذه المعادلة لا أعرفها بالضبط، ولكن بالتجربة اليومية أحسها وأحاول أن أكون دقيقا. فاليقظة في ساعة معينة.. وتناول الشاي أو صنعه ووضعه أمامي دون أن أنتبه إليه.. ونوع الورق والحبر والإضاءة ودرجة حرارة الغرفة..

إنني أقوم بعمليات تكييف للهواء والماء والضوء والمزاج والتسخين. وأنتظر وأنتظر طويلا. وقد أكون هادئا.. وقد أكون غاضبا.. ولكنني دائما أحني رأسي للذي يجيء ويتوارد.. ولا يزال المثل الأعلى لكل مفكر ما قاله فيلسوف الوجودية الألمانية مارتن هيدجر: إنني أجلس خاشعا حافي الرأس أمام سيدتي.. وأنتظر ما تجود به علي.. وقد تفضلت معبودتي فقالت، والذي قالته ليس كثيرا ولكني أكن لها عظيم الاحترام والامتنان!

أما معبودته ومعبودتي فهي «الحقيقة»!