مزعج أو مبهج؟!

TT

هذا خبر يبدو لأول مرة مزعجا ومأساويا. نشرته صحيفة ووكالة «إكسبرس» السويدية التي بعثت بمراسلتها تيريس كرستن إلى بغداد حيث تمكنت من الغور في سوق لبيع الأطفال. ثم نشرت تقريرها مع الصور في ست صفحات. ارتاع لذكرها المسؤولون السويديون فأصدروا قرارا بإعطاء حق اللجوء لكل الأطفال العراقيين المشردين. جاءني التقرير بالإنترنت. وهذا يتطلب التحقق من صحته. فالمؤسف أن هذا الجهاز الذي رحبنا به أولا لنشر الحقائق عبر الحدود والسدود، أصبح وسيلة لنشر الافتراءات. مضيت وتحريت في الموضوع فعثرت على تقرير قرأته قبل عدة أشهر يؤيد ذلك ويذكر أن نحو 150 طفلا يباعون في بغداد سنويا بمبلغ يتراوح بين المائتين والأربعمائة باوند إسترليني! وكان ممن بعن أولادهن السيدة سارة نامين. باعت اثنين من أولادها. واشتكت أن السمسار من منطقة بابل قد خدعها ولم يدفع لها الثمن! إذن، فعاصمة الرشيد والخلافة أصبحت المدينة التي يبيع فيها المسلمون أولادهم وينتشر فيها سماسرة يروجون لذلك ويسرقون الثمن ويقف فيها المسؤولون في الدولة يتفرجون على ذلك. ومن يلومهم وهم مشغولون بالسرقة والتهريب؟!

عاصمة الرشيد، قرأنا عنها في الكتب. نعم، كانت فيها دور نخاسة يباع فيها البشر ذكورا وإناثا، ولكنهم كانوا عبيدا وأجانب يشترونهم أهل المدينة. انقلبت الآية فتحولت دور النخاسة اليوم إلى بيع أهلها للأجانب. فالمراسلة السويدية تقول إن بيع الأولاد كان يجري في زاوية من المنطقة الخضراء، مما يعني أن المشترين كانوا من الأميركيين أو الأوروبيين. أصبح العراق البلد العربي الوحيد الذي يبيع فيه الناس أولادهم ليحصلوا على لقمة خبز!

«مأساة!».. سيقول القارئ الكريم. وأقول: كلا ليست مأساة. يا ليت والدي باعني وأنا طفل صغير لأي أسرة خارج العراق، بل وخارج عالمنا العربي كلا وجزءا! أنشأ هناك ضمن عائلة سويدية أو سويسرية أو ألمانية. أمارس الحياة الحرة وأقرأ ما كتبه فولتير وروسو وبرناردشو بدلا من كل هذه التفاهات والخزعبلات التي أضعت حياتي فيها. أحمل جنسية هذه البلدان التي أعتز بالانتماء إليها ولا أختزي منها، وأتباهى بها بدلا من أن أتستر عنها وأنكر انتمائي لها. أنشأ فيها وأقرأ في صحفها عما يجري من مهازل وفساد واضطهاد في هذا العالم البعيد الذي يسمونه الشرق الأوسط. أقرأ وأتساءل: ما لهم هؤلاء الناس؟! ألم يخلقهم الله بشرا مثلنا؟! لماذا يعيشون ويتصرفون كالحيوانات؟! كيف يعيشون ويصدقون كل هذه الخرافات والجهالات والأوهام؟! كيف يمجدون ويتبعون حكاما جهلة يسفكون دماءهم وينهبون ثرواتهم ويستحيون نسائهم؟! ويقتلون بعضهم بعضا؟!

نعم، مبروك عليهم. هؤلاء الأطفال الذين تبيعهم أمهاتهم في العراق. وتحملهم الطائرات «الجمبو» إلى باريس أو كاليفورنيا أو استوكهولم أو أي مكان آخر غير هذا البلد المعذب التائه في ظلمات الجهل والجاهلية ويعتز بتخلفه وأميته. مبروك عليهم. سيغمسون الخبزة في العسل والكريمة بدلا من تنقيعها في الماء الآسن عندما تتوافر الخبزة.

مبروك عليهم. ويا ليتني كنت واحدا منهم وباعني والدي للأجانب!