كما يقض البق ليلة مقمرة!

TT

كان آرثر كونان دويل، صاحب «شرلوك هولمز» يقول، إن السعادة هي أن يفعل كل امرئ واجبه كل يوم. وفي الآونة الأخيرة لم أترك شيئا عن ستيف جوبز إلا وقرأته، لأنه، كما ذكرت لجنابكم من قبل غير في حياتي، وجعل صحفي في متناولي في أي مكان ومعظم كتبي، وأصبح يساعدني على التدقيق في بعض الأسماء والتواريخ. فقد ذكرت مرة أن البير كامو نال جائزة نوبل عن «الطاعون» عام 1958، فكتب قارئ مصححا بسخرية ثقيلة، بل نالها عام 1956، فصحح له قارئ عزيز: بل 1958، صه.. وتأكد قبل أن تتفلسف.

خلصت مما قرأته عن ستيف جوبز، أن سره الحقيقي لم يكن فقط المخيلة العلمية المثيرة بل الكد. كان هو يعمل على الاختراع وهو يتصل بالصحافيين المختصين ليشرحه. وقد تذمرت منه زوجة أحدهم: «لماذا يصر هذا على إزعاجنا في يوم العطلة». وظل ستيف المريض والمتعب يتصل يوم العطلة.

برشلونة إحدى أعرق وأجمل مدن أوروبا. لكنها الآن في أزمة مثل سواها. ولكن هنا تتخذ الأزمة ناحية بشعة: يكتب الطفيليون بخطوط كريهة على كل الأبواب المغلقة بسبب الإفلاس. وما أكثرها! ويشوه الطفيليون والفاشلون جمال المدينة. ويشوه النشالون والغجر القادمون من رومانيا سمعتها. فبعض الناس يولد خاملا مستعطيا ولا يحب الاستحمام. وهم يملأون شوارع برشلونة وأرصفتها وحياتها.

لا أحب الطفيليين: لا إذا اكتفوا بالجلوس في المقاهي طوال حياتهم ولا إذا تحولوا إلى بلطجية وشبيحة وزعار. لا يغيب عن ذاكرتي، في مرارة وقرف لا يزولان أو يخفضان، مشهد رجل كان يجلس في مقاهي باريس طوال النهار، يسجل من مر ومن جلس ومن توقف عند بائع الصحف. لا أعرف أين هو الآن ولم أعرف في حياتي اسمه الأول، لكن كما أحب شغالتنا الآسيوية لارا، لأنها الوحيدة التي تعمل أكثر مني في البيت، هكذا أكره الطفيليين بسبب ذلك الرجل الذي شوه صورة المقهى وسمعته، وجعلني أشعر بالمرض كلما اضطررت للجلوس في مقهى باريسي.

يتحول الطفيلي، بسبب كسله وشعوره بالدونية، إلى إنسان بلا خلق وبلا نوازع، يعيش من أي حرفة منحطة تقع بين يديه. يكون مخبرا كاذبا أو حراميا صغيرا أو فارض خوة صغيرا. شعرت بالامتعاض في برشلونة، على الرغم من أنني عابر ومسافر. أزعجني وجود كل هؤلاء الطفيليين في مكان واحد. وجاءت الخاتمة عندما حملت «الآي باد» لأشتري بطاقة مؤقتة. وفي الشارع جاء نشال من الخلف وسرق مني ما تعب ستيف جوبز سنوات في اختراعه. تذكرت ذلك اللبناني الطويل في مقاهي باريس. وكتاب كولن ولسون عن الطفيليين. كما يقض البق ليلة مقمرة!