الشمس والقمر أصل الحكاية

TT

إنني من المؤمنين بالفيزياء الجغرافية (geophisics) والسياسة الجغرافية (geopolitics)، وبالتالي أعتبر جل ما تتصف به حياتنا وتاريخنا يقوم على ما حولنا من عناصر البيئة من تربة وماء ومناخ. تأتي في أولها الشمس وما تبثه في ديارنا من حرارة وضوء وتبعث حولنا من نباتات وأحياء.

يبدو لي أحيانا أن الشمس أهم من الماء والهواء وأكبر تأثيرا على الحياة. أدرك الإنسان القديم ذلك أكثر منا فاعتبرها إلها وراح يعبدها. ولو أني ولدت قبل مائة ألف سنة لربما آمنت بهذا الدين وصرت راهبا من رهبانه.

وعلى هذا الأساس دأبت على تفسير الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ضوء ما أجد من ضوء الشمس. قرأنا وسمعنا الكثير عن الأزمة الاقتصادية التي هزت أوروبا وهددت منطقة اليورو بالانهيار. شتى الاقتصاديين أعطوا شتى التفسيرات لأسباب هذه الأزمة. لم أقتنع بأي منها. الحقيقة كما أجدها أن اليورو عملة ارتبطت ليس بالفحم أو النفط أو الحديد وإنما تأثرت بالشمس. الدول التي أصابت اليورو في الصميم هي أولا اليونان ثم إسبانيا والبرتغال وإيطاليا. وكلها بلدان مشمسة. البلدان التي لم يتعرض اقتصادها للانهيار هي السويد والنرويج وفنلندا والدنمارك وهولندا وألمانيا وسواها من الدول المظلمة، أو غير المشمسة.

كيف ذلك؟ هاكم التفسير القشطيني للأزمة الاقتصادية الراهنة: تعيش في البلاد المشمسة شعوب قدرية كسول، فعندها هذه الشمس الجميلة تغنيها عن البحث عن وقود وتدفئة. يتمدد الإنسان على شواطئها وينام رغيدا هنيئا تحت هذه الشمس الدافئة، والرزق على الله. كسرة خبز وزيتونتان تكفي. وعندما لا يأتي الرزق يقترض قوت يومه من الآخرين ويعيش بالدين. هذا ما فعلته اليونان كدولة حتى غرقت بالديون التي تجاوزت قدرتها على التسديد، لكنها على غرار بقية الشعوب المشمسة استعملت الكذب وخدعت الدول غير المشمسة التي لم تتقن الكذب بتقديم أرقام مزيفة عن وضعها الاقتصادي فقبلوها في مجموعة اليورو وابتلوا بها.

على نقيض ذلك، يواجه الإنسان في الشعوب الظلامية قسوة البرد حين يغطي الثلج الحقول والمزارع كلها، فيسعى باحثا عن الوقود والطعام ويوفر لأيام الشدة. يهب من مكانه ويركض ويضرب على صدره ويتسلق الجبال والأشجار، مدركا أن ساعتين من النوم فوق الجليد وتحت الصفر ستوديان به للموت. لا غنى له عن النشاط والبحث عن اللحوم السمينة كالخنازير. هذه شعوب اعتادت على النشاط واكتسبت عبر القرون تقاليد الحرص والتوفير والاعتماد على النفس. لم تتعرض دولها للإفلاس ولا احتاجت للاقتراض فبقي رصيدها عاليا.

كواحد من مواطني الاتحاد الأوروبي، ما إن سمعت بطلب اليونان للانضمام للاتحاد حتى قلت: العياذ بالله.. سيخرب الاتحاد بدخول هؤلاء الناس القادمين من تحت الشمس.