العودة الملحة لقطاع التمويل التجاري

TT

أعتقد أنه لو نظرنا إلى هذه الفترة من الزمن لأدركنا أنها أشبه بـ«العصر الذهبي» لقطاع التمويل التجاري؛ فهي الحقبة التي باشرت فيها البنوك، فعلا، توظيف إمكاناتها المالية والبشرية والتقنية لمساعدة الشركات من الاقتصادات النامية على لعب دور أكبر في الحفاظ على حيوية الاقتصاد العالمي.

ومن المؤكد أن قطاع التمويل التجاري يواجه بعض التحديات المثيرة للاهتمام، إلا أنه لم يسبق لي، في السنوات العشرين الماضية، أن رأيت بيئة العمل لهذا القطاع متأهبة بهذا الشكل لتحقيق النجاح.

وللتأكيد على هذه الأهمية، نرى أن هنالك إجماعا واضحا من قادة العالم السياسيين والماليين على أن التجارة تمثل المحفز الطبيعي لتحريك الاقتصاد العالمي نحو الخروج من مستنقع الأزمة الائتمانية التي وقع فيها عام 2008، فالبنوك التي كانت قبل بضعة أعوام تشكك في مستويات الربحية والاستدامة من الاستثمار في قطاع التمويل التجاري، باتت تدرك اليوم أنه إذا تم الاستثمار في هذا المجال «بالشكل الصحيح»، فسيتم تحقيق الربحية ليس في الوقت الراهن فحسب، بل وعلى المدى الطويل أيضا.

وعندما أقول «بالشكل الصحيح»، فإنني أشير إلى التحديات التي تواجهها البنوك لدمج عروض التمويل التجاري ضمن محافظ منتجاتهم الأخرى، مثل الاكتتاب والتمويل المشترك وتداول السلع والعملات الأجنبية. ولعل الأخبار الطبية هنا بالنسبة لعملاء «باركليز»، تتمثل في أنهم يتعاملون مع مؤسسة مالية يكمن نجاحها في قدرتها على تحقيق هذا التكامل بسلاسة فائقة وبالنيابة عن عملائها.

وبالحديث عن التحديات، نجد أن هذا القطاع يحتاج إلى تطوير رصيده من المواهب والكفاءات؛ فحينما كانت البنوك قبل 10 سنوات تتجادل حول جدوى الاستمرار في هذا المجال، طفت على السطح حركة انحسار طبيعية لرصيد الكوادر والكفاءات الموهوبة في القطاع. وقد أفضى هذا الانكماش إلى تشتيت المواهب الخبيرة المتوفرة، خاصة أن البنوك واصلت ملء الشواغر لديها من خلال توظيف الكوادر المتمرسة من منافسيها.

ومع الوقت، تمت معالجة هذا الجانب من المشكلة، لأن العالم بعد أزمة الرهن العقاري، أصبح يرى أهمية خدمات قطاع التمويل التجاري. (ولا ضير في قيام البعض - ومن بينهم الرئيس أوباما، وديفيد كاميرون، وجورج سوروس - بتأكيد الحاجة الملحة للتجارة ضمن عناوين الصحف الرئيسية). ومع تجدد نمو رصيد المواهب والخبرات، يصبح التحدي الأكبر الذي يتعدى توفير الكفاءات المتمرسة والمتخصصة هو الحاجة إلى قادة من الرجال والنساء، الذين يتطلعون إلى المستقبل ويتمتعون بأفضل المهارات الشخصية للتعامل مع باقة متنوعة من المؤسسات المعنية بقطاع التمويل التجاري. ولا تقتصر المسألة اليوم على إشراك العملاء وأصحاب المصلحة الداخليين فحسب، بل تتعلق أيضا بإشراك السوق والجهات التنظيمية وصناع السياسة.

ومن جملة التحديات الأخرى التي يتوجب على هذا القطاع مواجهتها، العمل ضمن المتطلبات التنظيمية الضرورية والمعقدة في آن معا؛ فبصرف النظر عن عدد الجهات التنظيمية التي نتعامل معها على كل الأصعدة العالمية والإقليمية والمحلية، فإننا بحاجة إلى اتباع رؤية تنظيمية شاملة لقطاعنا في ضوء العولمة التي تعزز العمليات التجارية. وخلال السنوات الخمس الماضية، برز اهتمام كبير في التركيز على النواحي التنظيمية فيما يخص أعمال قطاعنا. وعلى الرغم من إدراكنا أن الأحداث والتداعيات الاقتصادية خلال عام 2008 قد استدعت فرض مزيد من التنظيمات، فإن الوقت غير مناسب لهذه التنظيمات، وذلك للحيلولة دون إفشال أحد المكونات الضرورية لتعافي الاقتصاد العالمي. ولعل أهم ما يبعث على التفاؤل على هذا الصعيد، هو مواصلة القطاع حواره مع الجهات التنظيمية لتأكيد الحاجة لوجود بعض الاستثناءات فيما يخص نطاق خبراتنا.

وفي الختام، نؤكد أن قطاع التمويل التجاري، ككل، بحاجة لتفعيل سبل التعاون المشترك حول المسائل العامة، التي ستعود بالفائدة على جميع عملائنا في شتى المجالات، ولعل خير مثال على هذا التعاون كفريق واحد للخروج بصيغة خطاب اعتماد مصرفي موحد المعايير، خاصة في ظل البيئة الراهنة التي يعمل فيها كل بنك وفق نهجه الخاص، ولا يتوانى عن منافسة البنوك الأخرى بتعقيد صيغ هذا الاعتماد دون مبرر، وإن لم نكن حذرين في هذا الجزء من قطاع التمويل التجاري، فإننا سنترك المجال مفتوحا لمزودي خدمات من طرف ثالث لأداء هذه المهمة، وبطبيعة الحال لن يكون هذا أمرا إيجابيا بالنسبة لنا، وأعتقد أننا قد بدأنا نشهد هذا التحدي فعلا.

ولا غرو أحيانا في «مواجهة بعض المشكلات الإيجابية»؛ فهذه التحديات تشكل في الحقيقة دلالة واضحة على تجدد انتعاش قطاع التمويل التجاري، الذي يسعدني القول إن «باركليز» سيلعب فيه دورا محوريا في المستقبل.

*الرئيس العالمي لقسم التجارة ورأس المال العامل

«بنك باركليز»