اللعين.. الخبيث.. المرض

TT

تناقلت وكالات الأخبار العالمية ووسائل الإعلام المختلفة خبر وفاة رئيس شركة «أبل» للتقنية، ستيف جوبز، بعد مضاعفات مرض سرطان البنكرياس الذي كان يعاني منه لفترة ليست بالقصيرة. طبعا الخبر كان مهما وتمت تغطيته بشكل لافت ومستحق، ولكن ما لفت نظري هو نوعية العلاج الذي كان يتلقاه لمرض معقد وخبيث ويهابه الملايين وهو السرطان.

الطب هو المجال الحضاري والأخلاقي الأهم للفصل بين الأمم، فبقدر تطور هذا المجال في الدولة بقدر ما هي دولة حضارية ومدنية وأخلاقية وسوية، ولا مجال فيه الإحساس المتعاظم بذلك بقدر طب وعلاج السرطان، فهو الفضاء الأوسع والأكثر إبداعا في نظام المداواة والبحوث والتطوير. السرطان مرض فتاك؛ ولذلك تطلق عليه ألفاظ خاصة من مهابة الناس له، ألفاظ مثل «المرض» و«الخبيث» و«الشين».. وهي جميعها كلمات توضح خوف الناس ورعبهم منه، ولذلك تأتي أهمية وضرورة احترام كل من يتعلم ويعمل لأجل إزالة هذه الرهبة وتطوير وسائل التعامل معه من توعية وعلاج ومتابعة.

للفيلسوف الأميركي كين ويلبر تجربة شخصية مع السرطان بعد إصابة زوجته بحالة شديدة من سرطان الثدي، فيقول إن الناس تتعامل مع ثلاث مراحل مع المرض: هناك مستوى «Disease» وهو الوصف العلمي للمرض، وهناك «Illness» وهو الوصف التشخيصي للأعراض الخاصة التي تقع على مريض معين أصابه المرض، وهناك «Sickness» وهو وصف لتعامل الناس مع المرض والمصاب به. ويستشهد بذلك حينما يقول أحدهم إن فلانا أصيب بالإنفلونزا فرد فعل الناس عادي جدا، أما إذا قيل إن فلانا أصيب بالسرطان فرد فعل الناس سيكون وكأنه نعي وعزاء عام والاستعداد لإعلان حالة الوفاة وتأبين المصاب. ويقول ويلبر إن التطور الحقيقي في التعامل مع السرطان حصل في المرحلة الثالثة أي في قدرة الناس على استيعاب مريض السرطان، وخصوصا مع انتشار الحالات بشكل هائل وتعدد وكثرة الأمثلة الناجحة للعلاج والشفاء منه.

السرطان ينتشر في منطقة الشرق الأوسط بشكل شبه وبائي ولأسباب معروفة، فسرطان الكبد في مصر بات مشكلة قومية، وسرطان الثدي في السعودية بلغ معدلات مرعبة، وفي العراق سرطان الجلد أرقامه مفزعة، وفي الأردن ولبنان هناك انتشار غير طبيعي لسرطان الرئة. هذا كله ولم نتطرق لسرطانات الأطفال سواء أكان في الدم أو الخلايا العصبية. ولكن مع شديد الأسف فإن التعامل الرسمي والخاص مع الأورام السرطانية أقل ما يقال عنه أنه ضعيف، فمستوى الخدمات الصحية المقدمة لمواجهة هذا المرض ضعيفة للغاية عن دول العالم المتقدم ولا يقاس بما يقدم لأمراض القلب والكلى والسكر على سبيل المثال.

هناك جهود فردية متواضعة تقدم من جمعيات وأفراد الغرض منها تقديم التوعية الاجتماعية لتثقيف المجتمع وتبيان أعراض الأمراض وأسباب مكافحتها وطرقها، وهناك نجاحات محدودة لهذه الحملات، ولكن لا بد أن يصاحب هذه الجهود مراكز صحية وكوادر طبية مؤهلة، وهذا غير موجود أبدا. أنا أب لطفلة مصابة بالسرطان وأعيش هذه المأساة بصورة شخصية، ولا أستطيع بضمير يقظ أن أعتبر ما يقدم في العالم العربي من علاج وتعامل مع مرض السرطان لائقا، بل أعتبره في منتهى السوء؛ بالقياس الطبي والأخلاقي.

هناك مراكز للتميز في علاج السرطان عالميا، فباتت ألمانيا مكانا مهما لسرطان العظام، والنمسا لسرطان البروستاتا، وأستراليا لسرطان البنكرياس، وكذلك اليابان، ولكن طبعا أميركا تبقى قلب الحراك العلمي والطبي في مواجهة هذه الآفة. المجتمع العربي بحاجة إلى أن تكسر شخصيات عامة «حظر» الخجل في التعاطي مع الموضوع مثل الدكتورة سامية العمودي في السعودية، وهنا أجد من الضرورة الإشادة بالمشروع الاجتماعي المميز لمستشفى سرطان الأطفال بمصر (57357) الذي كان حالة مميزة من التكافل، ولكن المطلوب أكبر بكثير.

[email protected]