المشكلة لو أنني أصبحت مجنونا (!!)

TT

المعضلة الكبرى في تاريخ البشرية عبر مسيرتها الطويلة المرهقة، إنما تكمن بالفجوة الهائلة بين الأغنياء والفقراء، بين من يملكون كل شيء، ومن لا يملكون أي شيء.. بين من يحتكرون الأرزاق، ومن لا يجدون لقمة العيش.

ومن أجل ذلك قامت الحروب والتمردات والثورات، وتعددت النظريات والاجتهادات وما زالت مستمرة، ولم تردم تلك الفجوة نهائيا، على الرغم من أنها في بعض البلاد المتحضرة قد تناقصت بحكم الديمقراطية والشفافية والضرائب والتأمينات.

وللأسف فالبلاد الإسلامية ما زالت تعاني من تلك المعضلة أكثر من سواها من بلاد العالم، على الرغم من أن دينها ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، وعبر خمسة عشر قرنا كاملة، يدعو لردم هذه الهوة المؤلمة، ولكن ويا لفداحة مصابي: (لا حياة لمن تنادي).

ولكي أثبت لكم ذلك بالدليل سوف أورد لكم مثالين قديمين، يقول المثال الأول:

إنه في سنة 996 ميلادية، نكبت بلاد الفرس بمجاعة شديدة، وكانت هناك فوارق كبيرة بين الطبقات، فبينما ألوف من الفقراء يموتون جوعا كان الأغنياء ينعمون بخيرات تزيد كثيرا عن حاجتهم، وعبثا حاول الحاكم حمل الأغنياء على إعانة الفقراء بالتي هي أحسن، فلما يئس من ذلك أمر بأن يقتل كل غني يموت جاره الفقير بسبب الجوع، فكانت النتيجة أن انعدم الموت جوعا من بلاد فارس في ذلك الحين!

الذي يدعوني للعجب أن هؤلاء الأغنياء لم يتأسوا بالحديث الشريف القائل: «ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه»، وهل هناك أعظم وأرحم من محمد رسول الله؟!

المذهل أن هؤلاء القوم الذين يدينون بالإسلام طوحوا بقول رسولهم خلف ظهورهم، ولم يرتدعوا إلا بعد أن وصل حد السيف إلى رقابهم!!

أما المثال الثاني فكان في مصر في عهد الخليفة (المستنصر بالله) فيقال:

إنه اختفى الخبز من أسواق مصر، فأحضر الوالي لفيفا من المحكوم عليهم بالإعدام، وألبسهم ملابس التجار، ثم دعا تجار القمح والدقيق والخبازين إلى مجلس عام، وأمر بإدخال أولئك المجرمين واحدا بعد واحد، حيث كان يصيح به قائلا: «كيف جرؤت على أقوات الناس وحبسها عنهم ؟». ثم يأمر فيضرب عنقه أمام الحاضرين.

وفي اليوم التالي، كان الرعب من القتل قد تملك قلوب جميع تجار القمح والدقيق والخبازين، فظهر الخبز في الأسواق، وبيع للناس بالسعر الذي تعودوه!

طبعا أنا لست من أنصار ذلك الأسلوب (الجراحي) العنيف الذي استخدمه الوالي، لسبب بسيط وهو أنني لا أضمن أن بعض هؤلاء المجرمين الذين أتخذهم كوسيلة ترهيب لهؤلاء الأغنياء الجشعين.. أقول إنني لا أضمن أن بعض هؤلاء المجرمين قد يكون بينهم مظلوم؛ لأنني من المؤمنين بالمثل القائل: (ياما في السجون من مظاليم).

سؤالي هو الذي لا أتعب من تكراره: كيف أن هذا الدين الإسلامي العادل والمثالي لم يستطع أن يتغلغل في ضمائر الناس وأمخاخهم ويردعهم، على الرغم من (الترغيب والترهيب) الذي حوته دفتا القرآن الكريم؟!

أيها الناس أسعفوني، فعقلي والله تكاد تطير منه البقية الباقية.

المشكلة الشخصية بالنسبة لي لو أنني أصبحت مجنونا (!!)

[email protected]