عاداتهم العجيبة!

TT

لست أدري متى أعود إلى الغوص من جديد في أعماقي.. لا أعرف لماذا كان ما كان.. ولماذا لم أكمل ما بدأت.. ولماذا أشعر بأن الذي أكملته ليس إلا مرحلة.. وليس نهائيا.. فلا شيء نهائيا.. وحتى بعد الموت.. فنحن نستأنف الحياة بصورة أخرى..

هكذا تقول لنا الأديان.. وهكذا استرحنا إلى ذلك..

والكاتب الفرنسي بلزاك كان يقول لمن يجده مهموما يريد أن ينفرد بنفسه: لا أعرف بالضبط ما الذي سأكتبه.. كل الذي أشعر به هو أنني أريد أن أكتب..

والمؤلف البوليسي جورج سمئون كان يذهب للطبيب ويجري فحصا عاما، ويطمئنه الطبيب على قلبه وعلى معدته وعلى ضغطه وعلى تنفسه.. وبعد ذلك يدخل إلى مكتبه حيث يوجد سرير ومطبخ صغير، ويعلق ورقة على بابه تقول: مشغول حتى نهاية الأسبوع!

وعند نهاية الأسبوع يكون قد فرغ من إحدى رواياته التي بلغت 250..

أما المؤلف المسرحي الإسباني لوبه دي فيجا الذي كتب 2200 مسرحية فكان يترك ضيوفه قائلا: لقد نسيت شيئا! ثم يذهب إلى مكتبه ويغيب ثلاث ساعات.. وبعدها يعود سعيدا قائلا: كتبت مسرحية كاملة!

ثم يستأذن من الضيوف لحظات.. ويعود ضاحكا: إن الخادمة قد عرفت عاداتي السيئة.. لقد أخفت المسرحية.. ولو وجدتها لمزقتها كلها.. لأعيد كتابتها من جديد!!

وقد نسي الأديب الأميركي همنغواي حقيبة بها عدد من القصص القصيرة وضاعت الحقيبة.. ولكنه نزل من القطار وجلس في مطعم بمحطة سان لازار بباريس وكتب القصص التي ضاعت!

وفي يوم اكتشف الكاتب الأميركي جون إشتاينبك أن كلبه قد أكل روايته «الفئران والناس»، فما كان من الكاتب الكبير إلا أن استأجر أحد الأتوبيسات وأدخل الأتوبيس في حديقة بيته، ثم جلس يكتب الرواية كاملة من الذاكرة!

وعندي إحساس دائم بأن الذي كتبته من الممكن أن يكون أفضل.. وأطول.. فما من مقال كتبته إلا أحسست أنني مخنوق تماما كأنني ارتديت ملابس طفل صغير.. ثم إنني حريص على أن أبدو مقبولا وفي الوقت نفسه أن لا تتمزق هذه الملابس.. بعد أن أصبحت أطول وأعرض..

ثم أعود إلى الذي كتبته فأوضحه أو أضيف إليه..

ولذلك فكثير من المقالات أتناول فيها المعنى نفسه.. ولكن بصور أخرى.. فكأنني ألف وأدور حول المعنى لأراه وأوضحه.. أو لأجسده لنفسي أحسن.. ثم أضيف إليه من إحساس أو من تجارب الآخرين.

وأذكر أنني سألت صديقي الروائي ألبرتو مورافيا في ذلك، فقال: إن الفنان الحقيقي هو الذي يكرر نفسه.. لأن لديه معنى واحدا.. أو فلسفة واحدة يعبر عنها في ظروف مختلفة.. والفنان مثل البلبل: له أنشودة واحدة!