محاولة الاغتيال الإيرانية تدق ناقوس الخطر

TT

بعد مرور دقيقة أو دقيقتين على إعلان إدارة أوباما أنها اكتشفت وأحبطت مخططا إيرانيا يهدف إلى قتل السفير السعودي لدى الولايات المتحدة، من خلال تفجير مطعم بواشنطن، بدأ المشككون يعربون عن شكوكهم. وقال كتاب أعمدة وخبراء، وحتى بعض كتاب الأعمدة من غير الخبراء، إن الإيرانيين ليسوا قذرين بالقدر الذي يجعلهم ينفذون عملا ما يرتقي إلى أعمال الحرب بتفجير قنبلة في العاصمة الأميركية. وقالوا إن المؤامرة المزعومة مجنونة. وأنا أتفق مع ذلك. ولكن ينطبق وصف الجنون على إيران هي الأخرى.

لا يبدو الأمر وكأن الخدمات الاستخباراتية الإيرانية، ولا سيما فيلق القدس التابع للحرس الثوري، تعمل بمهارة ولا تترك وراءها أي بصمات على الدوام. إنه نظام دشن ما يرتقي إلى أعمال قتل جماعية فور وصوله إلى سدة الحكم، بل بلغ الأمر أن إيران سعت وراء إيرانيين منفيين، ففي عام 1991 قتلت رئيس الوزراء السابق، شابور بختيار، في باريس. مات طعنا – كم كان ذلك قذرا! وفي 2010 عندما أطلقت فرنسا سراح أحد قاتلي بختيار، استقبل استقبال الأبطال في طهران.

كما حمّل مدعون في الأرجنتين إيران المسؤولية عن تفجير المركز اليهودي في بيونس آيرس عام 1994، الذي نجم عنه مقتل 85 شخصا وجرح 300 على الأقل. وكانت إيران متورطة في تفجير مجمع سكني في الخبر بالسعودية عام 1996، مما أدى إلى مقتل 19 طيارا أميركيا وجرح 372 شخصا، كما أن إيران الراعي الرئيسي لحزب الله في لبنان وحماس داخل قطاع غزة، وكلاهما منظمتان إرهابيتان تستخدمهما إيران بالوكالة.

ويشتبه في أن إيران لعبت دورا في اغتيال رفيق الحريري، الذي شغل منصب رئيس الوزراء في لبنان لخمس مرات، وكان رجل أعمال يتمتع بالنفوذ والثراء، وقتل الحريري عام 2005 بعد أن انفجرت قنبلة في سيارته، وربما كان ذلك بجهد مشترك بين سوريا وحزب الله وإيران، بالتدريب والمساعدة، ولم يكن الحريري مجرد عنصر مساعد على تحقيق الاستقرار، ولكنه كان قريبا للغاية من العائلة المالكة السعودية، ولديه منزل في الرياض، وتعامل السعوديون مع مقتله بصورة شخصية.

يتمثل الخطأ عند التعامل مع إيران في الميل إلى اعتبار قياداتها عقلانيين، وربما لا يكون ذلك الحال، فقادة إيران أصوليون إسلاميون قد يقتلون، بالتأكيد، أي عضو في العائلة المالكة السعودية، وهم المؤتمنون على مكة المكرمة وجميع السنة، ويعتبر الإيرانيون شيعة متحمسين، ولديهم الكثير من الأعداء، من بينهم مواطنون إيرانيون، يقومون باضطهادهم باسم الله. وفي العراق، استمر الإيرانيون في حرب بالوكالة ضد الولايات المتحدة، وإذا كانوا بالفعل ضالعين في عملية واشنطن، فإن ذلك يعود إلى أنهم حققوا الكثير ودفعوا القليل.

لا توجد إجابات سهلة للمشكلة الإيرانية، فالعقوبات تؤثر، ولكنها ليست بالقدر الذي يدفع طهران إلى التخلي عما يبدو كأنه برنامج أسلحة نووية، وإذا نجحت إيران في مسعاها، فسيرغب السعوديون في امتلاك قنبلة نووية، وربما ترغب مصر في ذلك أيضا، وسيكون على الولايات المتحدة أن تقدم مظلتها النووية كحماية. ولكن اكتشف السعوديون أخيرا أن باراك أوباما ليس بالصديق الوفي، (وقد شعروا بعدم الرضى لمشهد الإطاحة بحسني مبارك الذي دعمه أوباما)، وإذا ما زادت وتيرة سباق تسلح نووي، فسيتحول الشرق الأوسط حينها من مكان خطير إلى مكان مرعب على نحو لا يصدق. وسيكون الشرق الأوسط مريعا إذا استمرت إيران في ازدرائها للقوة الأميركية.

لقد ظلت إيران الكلمة الأولى التي يتفوه بها أي مسؤول إسرائيلي لأعوام، ويتم التعامل مع هؤلاء الإسرائيليين على أنهم مصابون بالبارانويا أو يميلون إلى الخداع، وقليل في الغرب من أخذ تهديدات الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بالتخلص من إسرائيل على محمل الجد، ولكن للإسرائيليين بعض الخبرة مع التصرفات غير العقلانية وتبعاتها، ولا يصرفون النظر بسهولة عن تهديدات بالإبادة، وينظرون إلى أميركا أملا في القيام بشيء، ولكن بلا جدوى.

سيكون خطأ لا تحمد عقباه بالنسبة لإدارة أوباما – والروس والصينيين غير المسؤولين – أن يعتبروا المؤامرة الإيرانية المزعومة تصرفا متهورا لبعض القيادات الاستخباراتية. وأحيل البيت الأبيض إلى حكمة بيل هايدون، الخائن في رواية جون لي كير «Tinker, Tailor, Soldier, Spy»، اعترف هايدون بأن الخدمات الاستخباراتية ليست هيئات مارقة، ولكنها «المعيار الحقيقي الوحيد للصحة السياسية داخل الدولة، والتعبير الحقيقي الوحيد عن عقلها الباطن».

وقد كان على حق، فالمؤامرة المزعومة داخل واشنطن لا تنبئك بشيء محصور في فيلق القدس الإيراني، ولكنها تعطيك إطلالة على النظام الإيراني بالكامل، ومن التهور السماح لهم بامتلاك ترسانة نووية.

*خدمة «واشنطن بوست»