ترشيح غير المرشحين للتعيين في منصب الرئيس الإيراني

TT

على الرغم من أن الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران لن تعقد إلا في عام 2013، فإن الحملات الانتخابية الخاصة بها قد بدأت بالفعل، حيث دخل اثنان من المرشحين الذين لم يعلنوا ترشحهم رسميا بعد، سباق الانتخابات.

وهناك، بطبيعة الحال، احتمال إلغاء الانتخابات الرئاسية تماما، وهو الأمر الذي يسعى إليه «المرشد الأعلى» علي خامنئي، حيث سيمكنه هذا من تعيين رئيس للوزراء له عدد أقل من الصلاحيات الحالية التي يتمتع بها رئيس الجمهورية.

ويبدو الأمر على السطح وظاهريا، يفترض كما لو أن ألا يخوض الانتخابات هذا المرشحان المحتملان الرئاسيان المحتلمان لم يكن ينبغي لهما الترشح لمقعد الرئاسة على الإطلاق..

فالأول هو الرئيس الحالي محمود أحمدي نجاد، الذي لا يجوز له قانونا الترشح لولاية ثالثة على التوالي، والآخر هو خامنئي، الذي شغل منصب الرئيس بين عامي 1981 و1989، والذي يجوز له قانونا الترشح لفترة ثالثة، ولكن السؤال هو: لماذا ينبغي له أن يترشح، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أنه يتمتع في ظل الدستور الخميني بسلطات غير محدودة ولا يتحمل أي مسؤوليات؟

ولكن مع ذلك، توضح حالة الهياج التي يمران بها أنهما على استعداد للقيام بحملات انتخابية، حيث ينافس كلاهما الآخر في زيارة المحافظات، والتلاحم مع «الجماهير»، وإلقاء الخطب الطنانة الرنانة.

كما يقوم كلاهما أيضا بتوزيع الأموال.

وكلاهما أيضا يسعى للحصول على دعم وسائل الإعلام، حيث يسيطر أصدقاء أحمدي نجاد على عشرات الصحف بالإضافة إلى اثنتين من وكالات الأنباء الرئيسية، بينما يسيطر خامنئي على شبكات التلفزيون والإذاعة، إلى جانب سيطرته على ست صحف يومية.

كما أن لدى خامنئي قاعدة دعم عريضة في المساجد والحسينيات (وهى أماكن حداد على الشهداء)، بفضل شبكة من الملالي، الذين يمنحهم خامنئي مساعدات مالية سخية.

وفي مقابل ذلك، لدى أحمدي نجاد شبكة من النوادي الثقافية والسياسية التي يسيطر عليها نائبه المقرب إسفنديار مشائي.

وربما كان الأهم من ذلك، أن كليهما يتودد إلى النخبة العسكرية، خاصة الحرس الثوري، الحامي الرئيسي للنظام.

وحتى وقت قريب، كان لدى أحمدي نجاد ميزة يتفوق بها على خامنئي وهى صورته كشخصية عالمية، حيث لا يستطيع خامنئي مغادرة إيران، لأن هناك مذكرات توقيف دولية صدرت بحقه لتورطه في اغتيال معارضين إيرانيين في برلين عام 1992.

ويتمكن أحمدي نجاد من القيام بجولات حول العالم، تتضمن رحلات سنوية إلى نيويورك، وتصوير نفسه على أنه زعيم «الثورة العالمية»، وقد أمضى أحمدي نجاد ما يصل إلى 412 يوما خارج إيران على مدى السنوات الست الماضية، حيث زار 32 بلدا في جميع أنحاء العالم.. وقد صورته هذه الرحلات في وطنه على أنه الزعيم المناضل الذي لا يخشى من دخول ساحة المعركة، حتى لو كانت في قلب أميركا «الشيطان الأكبر».

وإذا نحينا جانبا الأكليشيهات المعتادة حول الثورة والإسلام وتراث وإرث الخميني، لوجدنا أن الرجلين يقدمان خطابا مختلفا؛ فخامنئي يتشدق بـ«انتصار وشيك للإسلام» و«انهيار حتمي لأميركا»، وتمتلئ خطبه بالدعوات للاستشهاد، بينما يدعي أحمدي نجاد، بدوره، أن الجمهورية الإسلامية قد صعدت تحت قيادته «إلى أعلى قمم العلم والتكنولوجيا»، في حين قامت في الوقت نفسه «بتمريغ أنف الأميركيين في التراب»، في ما يتعلق بموضوع المشروع النووي الإيراني.

إن خامنئي يقدم وعودا بدخول الجنة في الآخرة، بينما يزعم أحمدي نجاد أنه على وشك بناء هذه الجنة في هذا العالم.

وعلى الرغم من أن الرجلين كانا حلفاء في عامي 2005 و2009 في سحق منافسيهم المشتركين، فإنهما الآن، مع تأكدهما من عدم وجود أي فصيل ثالث منافس لهما، قد عادا مرة أخرى إلى إظهار التناقض الجوهري في الحياة السياسية الإيرانية على مدى السنوات الـ100 الماضية، الذي يتمثل في حلمهم بالديمقراطية الممزوج بخوفهم من التخلص من النظام الاستبدادي التقليدي.

ويبرز هذا التناقض في الخطاب النموذج للخميني من خلال الانتخاب الديمقراطي المفترض لرئيس سيجد نفسه بمجرد انتخابه عاجزا أمام قوة «الإمام».

ولكن هناك شبه يقين أن أيا من خامنئي أو أحمدي نجاد لن يكون مرشحا رسميا في عام 2013، إذا ما تم إجراء الانتخابات، وذلك لأن الأول منهما لا يجرؤ على الترشح، بينما الثاني لا يستطيع الترشح.

فلماذا إذن يتصرف الاثنان كما لو أنهما مرشحان؟

الجواب عن هذا السؤال هو أن كلا منهما يريد احتلال أكبر قدر ممكن من الحيز السياسي ليحرم الآخر من فرصة اختيار الرئيس المقبل، فليس سرا أن أحمدي نجاد يحلم باستنساخ تجربة فلاديمير بوتين، مما يعني دفعه مشائي ليصبح الرئيس حتى يتمكن أحمدي نجاد من ترتيب عودته من جديد في عام 2018.

وخامنئي مصمم، من جانبه، على عرقلة هذا السيناريو، فمن أجل البقاء على قيد الحياة كان «المرشد الأعلى» يعمل دائما على الحد من نفوذ الرئيس، وتدميره عند الضرورة؛ فقد نبذ الخميني الرئيس أبو الحسن بني صدر، وقام لاحقا بإذلال خامنئي علنا عندما أصبح الأخير رئيسا للبلاد.

وقد أمضى خامنئي بوصفة بوصفه «المرشد الأعلى» سنوات لبناء قاعدة قوة لتدمير اثنين من الرؤساء المتعاقبين، وهما هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي. وقد كان أحمدي نجاد في البداية مدينا برئاسته لخامنئي، ولكن لم يمض الكثير من الوقت حتى بدأ ينظر لنفسه على أنه لاعب مستقل، مما جعله يصبح بالتالي خائنا في نظر خامنئي (حيث تتعلق الخيانة في النظام الخميني بالتواريخ).

ولكن أحمدي نجاد، مع ذلك، يختلف عن سابقيه، فنظرا لأنه مقاتل بطبعه، فلن تكون هزيمته سهلة. وما لم يتم اغتياله، فإن أحمدي نجاد من غير المرجح أن يفر هاربا مثل بني صدر أو أن يتحمل صابرا مثل رفسنجاني.

وهذا هو السبب الذي لا ينبغي من أجله تجاهل اقتراح خامنئي بأن يصبح الرئيس معينا بدلا من كونه منتخبا، واعتباره تصريحا عفويا.

وعلى أية حال، فقد تحول النظام منذ عام 2009 إلى نظام «الإمامة» على غرار النظام الذي كان موجودا في اليمن قبل انقلاب 1962 العسكري، ومن ثم لم يعد مصطلح «الجمهورية الإسلامية» يعكس الواقع السياسي الإيراني.

ومما لا شك فيه أن رئيس الوزراء المقبل قد يحمل لقب رئيس مجلس الوزراء كما هي الحال في إسبانيا، وبالتالي، سيكون لقب «الرئيس» مجرد لقب للحفاظ على المظاهر.

وإذا لم يتم إجراء انتخابات في 2013، فمن الممكن أن يكون خامنئي قد اختار بالفعل الرجل الذي سيحاول تعيينه رئيسا للبلاد، ولكن من المؤكد أنه لن يكون مشائ.

وقد بدأ «الإمام» الجديد في الترويج لوزير الخارجية السابق، علي أكبر ولايتي، مرشحا محتملا للرئاسة، ولو قدر لهذه الخطوة أن تنجح، فإنها ستكون بمثابة جعل الرئاسة بشكل نهائي في مكتب تابع لـ«المرشد الأعلى».

وفي هذه الحالة، لن يكون هناك أي معنى لانتخاب الرئيس بشكل مباشر، حيث إنها عملية محفوفة بالمخاطر بالنسبة للنظام الاستبدادي، كما ظهر بوضوح في انتخابات عام 2009.