المقال (الناهق)

TT

في منظر مقزز شاهدته على التلفزيون، وهو لا يمت لا للإنسانية ولا حتى للحيوانية بأي صلة، وذلك عندما شاهدت كتيبة من جنود الحكومة السورية يطلقون نيران رشاشاتهم وهم يتضاحكون على عشرات حمير الفلاحين الذين خرجوا بالمظاهرات في إحدى القرى، فأرادوا حرمانهم من هذه الحيوانات الوقورة الصبورة التي تساعدهم في مزارعهم، وكان منظر تلك الحيوانات المسكينة مؤلما وتقطع نياط القلب وهي تحاول الهروب والنجاة دون جدوى، وكان حزني عليها عظيما، ولم يخطر على بالي ساعتها إلا أن أتذكر أعز أصدقائي، متخيلا أنهم يتساقطون أمامي بمثل هذه الوحشية دون أن أستطيع الدفاع عنهم.

وبعدها استرجعت ما نشرته صحيفة (اكسربرس) الأميركية التي جاء فيها: إن الكثير من الأميركيين هناك قد تخلوا عن حميرهم بسبب ارتفاع أسعار العلف، فأطلقوها تتوه في كل مكان.

فما كان من منظمة (بيتي فور فالي دونكي رستيوي) في كاليفورنيا إلا أن تهب وتمارس عملية الإنقاذ لها وتحتويها في مزارع خاصة، ويقول مدير المنظمة (مارك ميري) إن تكلفة العناية بالحمار الواحد تقدر بأكثر من ألف دولار، وذكر أن الحمير التي جرى إنقاذها معروضة للتبني.

ولا شك أنني لو كنت الآن في أميركا لتبنيت منها بدون تردد جحشة صغيرة جميلة لا تعرف العنفصة.

وبما أنني بصدد الحديث عن هذا الموضوع (المفترج) على هذا الصباح الذي (مش ولا بد)، فالحديث مثلما يقولون: يجر بعضه.

وقد سبق لي أن قرأت عن مستشرقة أوروبية هي: (الليدي مستر ستناهوب) وقد استقرت في لبنان في القرن التاسع عشر إبان حكم الأمير (بشير الشهابي)، وقد كانت معه يوما في أحد إسطبلاته وأعجبت بأحد الأفراس، وبعد أن ذهبت أرسل لها الفرس كهدية ومعها حمارة، وذلك لأنه علم أن تلك (الليدي) مريضة ولا شفاء لها حسب رأي الأطباء في ذلك الوقت إلا أن تشرب من حليبها، ويقال إنها بعدما شربت من حليب تلك الحمارة مقدار خمس رضعات مشبعات قد شفيت بأمر الله، وأخذت تمرح بعدها كأي فرس عسوف، وإنني أقترح على كل امرأة مريضة تريد أن تشفى فعليها أن تقتدي بتلك (الليدي). وفي ذلك الحين كان هناك مجموعة من القساوسة في أحد الأديرة يزعمون أن حوافر الحمار الذي كان يركبه السيد المسيح، عليه السلام، للتجول في البلاد ليبشر وينشر تعاليمه، أن تلك الحوافر موجودة لديهم ومحفوظة في مكان أمين داخل خزانة زجاجية من أجل حمايتها من الأذى والتلف.

وصادف أن أحد النصابين المشعوذين ادعى كذلك أن لديه حافرا من حوافر حمار المسيح، فأخذ يعرضه على الجمهور للتبرك به لقاء مبالغ معينة وأثرى من ذلك كثيرا، مما أغضب القساوسة والرهبان وأثار حسدهم عليه، فذهبوا للأمير بشير يشتكونه قائلين: إن الحوافر الأربعة الأصلية موجودة لدينا، في حين أن ذلك الرجل يضحك على عقول الناس بحافر مزيف إلا إذا كان لحمار المسيح خمسة قوائم ونحن لا نعلم؟! فضحك الأمير وأمر جنوده للذهاب إلى ذلك الدجال وتأديبه، وفعلا انتزعوا منه ذلك الحافر ثم ضربوه به على رأسه حتى سالت دماؤه، ثم حطموا الحافر وأحرقوه لكي لا يتبرك به الجهال من البسطاء.

ألم تلاحظوا أن مقالي اليوم يكاد أن يكون ناهقا؟! إن لم يكن قد نهق فعلا! ولا ملامة على أن فعلت ذلك، لأنني أجاري عصري، (فكل إناء بما فيه ينضح)، ولا أنا غلطان؟!

[email protected]