العجز العربي!

TT

المشهد العربي في الأشهر الأخيرة يدعو إلى الرثاء، في الوقت الذي يشهد فيه جزء كبير من العالم العربي، حراكا شعبيا غير مسبوق تاريخيا، يشهد في الوقت نفسه عجزا تاريخيا غير مبرر.

لا أحد يستطيع أن يفسر عقليا هذا العجز العربي الذي تمثل في إعطاء مهلة قدرها أربعة عشر يوما للنظام السوري، حتى يكف عن قتل شعبه! لم يستطع المجتمعون في رحاب الجامعة العربية أن يتوصلوا في مداولاتهم، على الرغم من ضجيج الحراك الشعبي حولهم، إلا إلى قرار هش بل مثير للرثاء.

في الوقت نفسه الذي اتخذ فيه قرار السماح الزمني، يقارن العالم بين الاهتمام بشخص واحد إسرائيلي يطلق سراحه، في مقابل ألف شخص عربي، ويسمح بأسبوعين، يقتل في كل أسبوع عشرات من الرجال والنساء والأطفال في سوريا وبدم بارد، إنها رخصة لاستمرار القتل، والتصفية البشرية، يبدو أن مجلس الجامعة لم يسمع عن مفاهيم «الإبادة الجماعية» أو تصنيفات «الجرائم ضد الإنسانية».

كيف يمكن لعاقل، مهما كان موقفه السياسي، أن يقبل ذلك؟ لم تستطع الجامعة العربية أن تعيد سيناريو ما اتخذته من مواقف تجاه الشعب الليبي، يبدو أن ذلك القرار تجاه ليبيا هو بيضة العاقر، وحيدة لا تتكرر. لم يكن بالمستطاع اتخاذ قرار حاسم في الحالة السورية، كان الجميع يعرفون ذلك. فبعض المجتمعين في الجامعة العربية يوقنون أن الدور ربما يأتي عليهم آجلا أو عاجلا، لذلك تمنعوا وميعوا القرار ثم فلسفوه، دون أن ترف لهم عين في ضوء كل هذا الحراك الهادر حولهم.

المضحك المبكي في اجتماع الجامعة ذاك، خطاب يوسف الأحمد مندوب سوريا لدى الجامعة العربية، الذي طالب فيه بقرار عربي يطبق على كل الساحات العربية، يطلق الحريات ويتيح للأحزاب السياسية الوجود والعمل، ويؤكد حقوق الإنسان، من بين أمور أخرى، على أن يطبق القرار على كل الدول العربية، ثم تنظر سوريا في تطبيقه! إنه بالعربي الفصيح يخرج لسانه للمجتمعين في قول مبطن «موتوا بغيظكم».

لو كان هناك مؤلف مسرحي من جيل كتاب العبث، لما استطاع أن يفكر في مشهد عبثي أكثر من ذاك الذي شاهده العالم على شاشات التلفزيون والسيد المندوب يتحدث.

المجتمعون في القاهرة يعرفون أيضا أن المطلوب هو قرار عربي مهما كانت هشاشته يعمل كمتكأ لقرار دولي مقبل، لم يستطع نظام أن يقوم بالقتل المنظم في مثل أجواء ثورة الاتصال الإلكتروني العالمي ومبادئ منظمة العفو الدولية، لم يحدث هذا من قبل، ولن يكون في الوقت الحالي، فالضمير العالمي ينتفض ضد قهر الشعوب في القرن الحادي والعشرين.

إذا استدعينا لهذا المشهد الذي مثله المندوب السوري، مشهدا آخر كان موقعه في دمشق وبطله الرئيس الهارب ملك ملوك أفريقيا معمر القذافي الذي أعلن عن قتله يوم الخميس الماضي، حين قال في اجتماع قمة دمشق تعقيبا على شنق صدام حسين، إن الدور قادم عليكم جميعا. لم يكن وقتها إلا يهزأ بدليل ابتسامات البعض وقتها، ولكن كما كانت تقول دائما والدتي، رحمها الله، عندما يصادف قول فعلا بعده، إنه قال الكلمات «بمرت ملاك»، أي مصادفة مرور الملاك، الذي التقط الرأي، وحققه في وقت لاحق. والدتي المرحومة كانت تعمل بمنظومة تراثية تقليدية، وكذلك مجلس الجامعة العربية الذي يعتقد أن البيان المطاطي الذي أعطى فرصة أسبوعين لاستمرار القتل، سوف يأتي بأكله وتنصاع دمشق لما يقررونه.

طالب العقلاء أكثر من مرة أن يكون للجامعة نظام يحترم العقل العربي في القرن الحادي والعشرين، نظام ينتصر للمستقبل وينسجم مع الأنظمة الدولية المتحضرة.

ولكن كيف ينتصر للمستقبل، إذا كان هناك بعض الرؤساء العرب منهم من هو مطارد من المحكمة الدولية، وآخر يقرر مصيره في مجلس الأمن، وثالث يطالب المجتمع الدولي بتنحيته، ويقرر مندوبوهم لدى الجامعة، المستقبل العربي؟!

أي عاقل له في الرأي السياسي قيد أنملة يعرف أن طرفي المعادلة، النظام السوري والمعارضة، لن يقبلا بهذا الموقف.. الأول لن يقبل بوقف القتل ومطاردة المتظاهرين، والثاني المعارضة بأطيافها، لن تقبل بالجلوس مع النظام. افترقت الطرق منذ أول رصاصات انهمرت على المتظاهرين، فأي مهلة أسبوعين أو شهرين يمكن أن تجسر فجوة عمقها ثلاثة آلاف قتيل؟! أليس هذا يوضع في خانة التكاذب والضحك على الذقون؟! لا أعرف أن الإخوة الذين اجتمعوا وتداولوا في القاهرة الأسبوع الماضي، هل اقتراحهم جاد؟ وهل يمكن أن يخرج اقتراح جاد يتوافق عليه الجميع في مثل هذه الأجواء المضطربة والمتعارضة؟ الجواب البسيط «لا» طبعا.

إنه حوار الطرشان. لقد قيل عن أسرة البوربون عندما عاد إليهم عرش فرنسا بعد الثورة في عام 1815 إنهم لم يتعلموا شيئا ولم ينسوا شيئا، ويمكن أن يقال نفس الشيء عن معظم المجتمعين في نادي القاهرة، الذي اسمه الجامعة العربية.

آخر الكلام..

يتزامن موعد كتابة هذا المقال مع خبر تتناقله وكالات الأنباء العالمية عن مقتل ملك ملوك أفريقيا، وصاحب فرقة النساء للحماية ومفقر الليبيين ومنتج الإرهاب، وهكذا يتوافق الديكتاتوريون العرب في الخاتمة البشعة التي تشبه قصص الرعب البوليسية، الرعب والإثارة، ثم مقتل الشرير!