رحم الله «سلطان الخير»

TT

فقدت المملكة العربية السعودية رجلا عظيما، وركنا من أركانها منذ انطلاق عملية بناء الدولة بعد توحيدها على يد المغفور له الملك عبد العزيز، رحمه الله، وهو الراحل الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله رحمة واسعة.

كان الأمير سلطان رجل دولة، وفاعل خير، وصاحب صدر رحب، وقلب مليء بحب الخير للناس، كان مشغولا بكل تفاصيل البلاد، ومطلعا، ويستمع للصغير قبل الكبير، كان طرازا فريدا بتعامله الإنساني، وحزمه كرجل دولة. تشرفت بمرافقته ضمن الوفد الإعلامي السعودي بعدة رحلات خارجية، وتشرفت بإجراء حوارين صحافيين معه - رحمه الله - بعد توليه منصب ولي العهد، الحوار الأول، وكان مطولا، في يناير (كانون الثاني) 2007، والثاني كان في يونيو (حزيران) 2008، وبالطبع كانت هناك مواقف لم ترو، وهي كثيرة، تبين كريم لطفه، وسعة صدره وإيمانه بدور الإعلام، وأهمية الشفافية بالتعامل مع الرأي العام.

عندما تشرفت بمقابلته بقصره بجدة من أجل الحوار الأول أُبلغت قبل مقابلته بضيق وقته لأنه متوجه إلى مكة المكرمة، وعليه فيجب أن لا أطيل. صافحته، رحمه الله، وبدأ يتحدث، وأخذ الوقت يطول، فسألني إن كان هناك أمر ما، حيث لاحظ التوتر وقد بدا على ملامحي، فقلت له إنه طلب مني عدم الإطالة، فابتسم قائلا: «خذ وقتك، وأكمل حديثك»، ولم يعترض على سؤال، أو مناقشة، أو مداخلة؛ بل كان يستمع بكل اهتمام.

ذات يوم، وبرحلة رسمية لسموه لروسيا، اجتمع مع وفد رؤساء التحرير السعوديين بمقر إقامته بموسكو، ووقتها كانت هناك قصة تشغل الإعلام الدولي، والسعودي، والرأي العام، وما إن فتح النقاش بمجلسه إلا وطرحت عدة وجهات نظر قاسية انتقادا للإعلام السعودي، وكان الأمير سلطان، رحمه الله، يستمع بكل اهتمام، حينها استأذنته للرد على ما قيل، فقال: «تفضل»، وكان ملخص الرد أن المسؤولين يستسهلون انتقاد الإعلام، بينما الأسهل هو التعاون مع الإعلام من خلال إيضاح الحقائق، والرد على استفسار الإعلام، وضرورة توفر المتحدث الرسمي لدى الجهات المعنية بقضايا تخص الرأي العام، وضربت مثلا بتجربة وزارة الداخلية السعودية وكيف أنها، وهي الجهة المعنية بالأمن والحفاظ على المعلومات، أكثر انفتاحا على الإعلام من غيرها.

كان الأمير، يرحمه الله، يستمع بكل اهتمام، وعندما انتهت مداخلتي تحدث، رحمه الله، عن ضرورة التواصل مع الإعلام، وأثنى على ما سمعه، وأشاد بتجربة المتحدث الرسمي بوزارة الداخلية، وطالب بأن تعمل باقي الجهات على نفس الأمر، وقال موجها كلامه للجميع من رؤساء التحرير: «إذا طلبت جهة، أو شخص الرد على ما نشر لديكم هل تمانعون؟»، قال الجميع: «بالطبع لا، فهذا حق». فقال رحمه الله: «إذن قوموا بعملكم، ومن لا يرد على استفساراتكم فليس له حق الانتقاد، والتشكي».

هكذا كان الأمير سلطان بن عبد العزيز، رحمه الله، معنا نحن الإعلاميين يسمع، ويناقش، ويقبل الأخذ والرد، وهمه بالطبع الصالح العام، وقبل كل شيء خدمة دينه ومليكه ووطنه، رحمه الله رحمة واسعة في فسيح جنانه.

[email protected]