رحيل رمز الدفاع عن الخير

TT

لا أعرف أحدا من السعوديين لم يلمسه سلطان بن عبد العزيز ولي العهد السعودي الراحل بكرمه ولطفه. عجيب كيف يمكن لوزير دفاع، الشخصية الجامدة الصلبة الخشنة الشديدة البأس، أن تمتلك جانبا آخر مختلفا، جانبا رقيقا غضا إنسانيا، توجعه آلام الغير فيتفاعل معها بحنان وكرم بلا حساب، خليط قلما يحصل ما بين الشخصية التي تثقل ظهرها المسؤوليات، والشخصية التي تثقل قلبها أوجاع الناس.

سلطان بن عبد العزيز، رجل السياسة المحنك، حاد البصيرة وقارئ الأحداث، شهد محطات حرجة وصعبة في حياة الدولة السعودية المعاصرة، وعندما تولى وزارة الدفاع عام 1962 كان يعلم ماذا تعني وزارة دفاع بالنسبة لدولة مثل المملكة العربية السعودية، تملك سبب خير الآخرة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتملك سبب خير الدنيا في باطن الأرض، وما يمكن أن تتعرض له من تحديات ومخاطر بسبب هذين السببين، أطماع لا حدود لها من المشرق إلى المغرب، ومن أصدقاء يتبدلون إلى أعداء، وأعداء يؤخذون بالحذر والدبلوماسية والمقاربة. خمسة عقود من قيادة الدفاع الجوي السعودي في منطقة هي الأكثر سخونة وتقلبا في أحداثها السياسية.

الأمير سلطان كان يضع يده على أحد أقوى جهاز سلاح جوي في الشرق الأوسط والأكثر تطورا، ولكنه لم يغفل السلاح الأهم، وهو الإنسان السعودي المعافى المرتاح المستقر، وحينما أنشأ مؤسسته الخيرية وقامت مدينة سلطان الخيرية شمال العاصمة الرياض كان حلما تحقق للأمير سلطان حيث ظهرت في وسط الصحراء القاحلة واحة خلابة من الرعاية الإنسانية، وصرح أخلاقي وإنساني قبل أن يكون علاجيا، يشرح معنى أن يكون الأمير أميرا بمحبته لأهله واحتوائه لآلامهم وسماعه لحاجاتهم، فأصبحت المدينة الخيرية مقصدا للسعوديين والعرب للعلاج والنقاهة والتأهيل الطبي.

لا شك أن رحيل الأمير سلطان (رحمه الله) خسارة سياسية وإنسانية وثقافية كبيرة للسعوديين الذين ضمهم تحت جناح رعايته، وللعالم الفسيح الذي كان ينظر لحكمة سلطان بعين التقدير والاحترام.

ومع حرص المرء أن يقدم الخير في حياته ليلقاه في آخرته حيث الحياة الأبدية، إلا أن من المهم كذلك أن يترك من خلفه إرثا معنويا عاطر الذكر لأسرته وأهله وأحبابه، وهي ليست بالمسألة الهينة، لأن التاريخ لا يجامل، والذكريات الطيبة لا تزيف، ولعل من أجمل ما قيل في تعبير فقد سلطان الخير ما ذكرته إحدى تغريدات موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» أن «في بعض البلاد يموت الرئيس فتعم الفرحة أرجاء البلاد، وفي السعودية مات ولي العهد فتنكست الرؤوس حزنا، وهي رسالة لكل حاكم؛ اختر مراسم تشييعك من الآن، فلا أحد باق»..

* كاتبة سعودية