رحيل سلطان الكرم..

TT

أسرعت متوجها إلى مكان قصي في بيتي صباح السبت (24/ 11 /1432) فور سماعي النبأ المفجع بوفاة الأمير الفذ الوالد سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - لأستعرض شريط ذكرياتي مع الفقيد وأدون هذه الكلمات؛ وهو شريط مطرز بمواقف تشرفت بأن أكون شاهدا عليها، منذ أدركت في وقت مبكر من عمري أن هذا الأمير شخصية لا تتكرر عبر التاريخ ليس على الصعيد المحلي فحسب، بل الدولي أيضا. ثم تلوت الآية الكريمة: «وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون» (البقرة 155 - 157). لم يكن المصاب هينا، ولم يكن الموقف يسمح بتأمل شامل لسيرة الفقيد العطرة بشكل دقيق. فجال في خاطري بعض الأفكار عن الفقيد، كلها تجعل أي مواطن سعودي أو عربي أو مسلم يفخر بها..

صفحة ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان - رحمه الله - في التاريخ مثقلة بكلمات تصور المجد. لم يكن قائدا نمطيا ولا إنسانا مألوفا.. صفحة الأمير سلطان - رحمه الله - لن تقلب بسهولة، علينا الانتظار طويلا قبل أن نتمكن من فعل ذلك.. يجب أن تقرأ بروية وتمعن. يجب إعادة دراستها لتقدم بشكل يليق بتلك الإنجازات التي لا تتكرر في حياة الأمم. وستظل صورة إنجازات الأمير سلطان - رحمه الله - غير مكتملة إذا ظلت في مجالها الرسمي فقط، وحقيقة الأمر أن فضاءات الثقافة الشعبية الرحبة عليها المشاركة في تقديم ما لديها حيال فقيدها الغالي.

مبكرا وفي حياة والده المؤسس المغفور له الملك عبد العزيز كلف بمهام رسمية كشفت عن موهبة فذة للتعاطي مع الشؤون العامة؛ ركائزها عقل راجح وروح متسامحة تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف وقدرة عجيبة على كسب ود الآخرين؛ فتلك الابتسامة التي لا تفارق محياه الجميل كم سنفتقدها في هذا الزمن المليء بالوجوه المكفهرة. وكما هو معروف عن فراسة الملك عبد العزيز التي قلما أخطأت؛ ومنها اكتشافه نبوغ ابنه سلطان المبكر، مما دفعة لمنصبه الرسمي الأول وهو ما زال شابا حين عينه عام 1943م رئيسا للحرس الملكي. وبعد أربع سنوات عينه أميرا على الرياض. وبعد وفاة المؤسس عام 1953م عينة الملك سعود وزيرا للزراعة ليضع حجر الأساس لهذا المجال الحيوي الذي أصبح الآن من ركائز الحياة الاقتصادية في المملكة. ثم وزيرا للمواصلات عام 1955م ليشرف على قيام أول شبكة طرق حديثة تربط مناطق المملكة، حتى عين وزيرا للدفاع والطيران عام 1962م وشغل هذا المنصب الحساس حتى وفاته رحمه الله. هذه الخبرات السياسية المتراكمة والكاريزما التي يتمتع بها الأمير سلطان أهلته ليعين نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء عام 1982، وفي عام 2005 وليا لعهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله.

تعاقبت المناصب والمهام في حياة سلطان بن عبد العزيز - رحمه الله - بشكل سريع لم تمهله الالتفات لحياته الخاصة المليئة بالحب والحنان، فكل من له علاقة مباشرة مع الراحل لمس الكم الهائل من العواطف التي يفيض بها قلبه لتغمرهم في كل مناسبة.

إثر الجهود التي بذلها ولي العهد الراحل في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، احتلت المملكة مكانا بارزا في المنظومة الدولية، لا يشار لها بالبنان فقط بل يؤخذ رأيها وغالبا يعمل به لضمان تأييدها الحاسم والمرجح. لا أكتب ذلك ناقلا بل شاهدا. ويتفق القاصي والداني، العدو والصديق، أن ما حققته المؤسسات الخيرية الرائدة التي يرعاها بسخاء، الأمير سلطان - رحمه الله - لا يمكن إغفاله. إن هذه الأعمال الخيرية العظيمة وغيرها ستوضع في ميزان حسناته إن شاء الله، وترسخ ما درج محبو الراحل على تسميته «سلطان الكرم». رحل ولي العهد المحبوب تاركا حزنا وألما يضيق بهما الفؤاد.